(وثالثها): أَن النفخ في الصور على حقيقته، وإنما هو صورة بلاغية بطريق الاستعارة التمثيلية، شبه فيها حال انبعاث الموتى وقيامهم من قبورهم وسيرهم إلى المحشر تلبية لنداء الله لهم - شبه حالهم ذلك - بحال قيام جيش نفخ لهم في البوق المعهود، وسيرهم إلى موضع عُيِّنَ لهم، وتعقيبا على هذا الخلاف يقول الآلوسى ما خلاصته: أن الأول في قول الأكثرين وعليه المعول؛ لأن قوله - تعالى - في آية أخرى: {ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ} ظاهر في أن الصور مفرد مذكر وليس جمع صورة وإلا لقال - سبحانه -: ثم نفخ فيها أخرى بتأْنيث الضمير الراجع إليها، وجَعْلُ الكلام من باب الاستعارة التمثيلية، فيه إنكار لوجود صور حقيقى ينفخ فيه، وذلك مخالف لما نطقت به الأحاديث الصحاح .. هذه هي خلاصه تعقيب الآلوسى على الخلاف في حقيقة النفخ في الصور.

والذي نراه: أن الذي يجب اعتقاده هو أن النفخ في الصور سوف يكون قطعا، أما شكل الصور وحقيقته وكيفية النفخ فيه فذلك من الغيبيات التي يوكل علمها إلى علام الغيوب سبحانه.

والراجح أن النفخ في الصور سوف يكون مرتين، إحداهما يموت عندها الخلائق، والثانية نفخة البعث التي يقوم الناس عندها لرب العالمين للحساب والجزاء، كما في قوله - تعالى -: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ (51)} (?).

واختلف فيما جاء بهذه الآية، أهي النفخة الثانية، أم هي النفخة الأُولى؟ وممن ذهب إلى ترجيح أنها النفخة الثانية الإمام أبو السعود، وقال في ترجيحه: إنه هو الذي يستدعيه سباق النظم الكريم وسياقه، وأن المراد بالفزع في قوله - سبحان -: {فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ} ما يعترى الكل عند البعث والنشور. من الرعب والتهيب الضروريين الجِبِليَّيْن بمشاهدة الأُمور الهائلة الخارقة للعادات في الأنفس والآفاق. ثم قال: وقيل: المراد بالنفخ هنا: هو النفخة الأُولى، وبالفزع: الخوف الذي ينتهى إلى الموت لغاية شدة الهول كما في قوله تعالى: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي

طور بواسطة نورين ميديا © 2015