وإنما ذكر لتقوية الإنكار بتوجيهه إلى الإخراج في حالة منافية له في زعمهم، وهي كونهم ترابًا، وكما أنكروا إخراجهم فقد أنكروا كذلك إخراج آبائهم.
68 - {لَقَدْ وُعِدْنَا هَذَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ}:
استئناف مسوق لتقرير الإِنكار، وصُدِّر بالقسم لزيادة التأْكيد، أي: والله لقد وعدنا هذا الإخراج نحن وآباؤنا من قبل أن يعدنا به محمَّد ولم نر له حقيقة ولم نعلم له وقوعًا فيما مضى، ذلك لأن هذا الوعد ما هو إلاَّ أباطيل الأَولين حكاها محمد عنهم، وليس له حقيقة، وقد رد الله عليهم بقوله:
69 - {قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ}:
أي: قل - يا محمد - لهؤلاءِ المكذبين: سيروا في الأرض فانظُرُوا بإمْعانٍ وتفكروا كيف كان عاقبة المكذبين للرسل - عليهم السلام - فيما جاءُوا به من الإيمان بالله وحده، وبالمعاد الذي تنكرونه، فإن مشاهدة عاقبتهم، وآثار ما حل بهم من العذاب والنكال اللذين لم يَنْج منهما سوى الرسل - عليهم السلام - ومن اتبعهم من المؤمنين يكفى أن يكون عظة وعبرة لذوى البصائر وأولى الألباب، ودلالة واضحة على صدق ما جاءَت به الرسل وصحته، وفيه تهديد لهم على التكذيب، وتخويف بأَن ينزل بههم مثل ما نزل بالمكذبين قبلهم.
70 - {وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُنْ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ}:
تسلية للرسول - صلى الله عليه وسلم - أي: ولا تأْسف على المكذبين لإصرارهم على الكفر، وتذهب نفسك عليهم حسرات، ويكون صدرك حرجًا من كيدهم وإنكارهم ما جئت به فإن الله مؤيدك وناصرك عليهم، ومظهر دينك في المشارق والمغارب على من خالفه وعانده: {وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} (?).