والمؤمنون منهيون عن إتيان العرافين، فقد جاء في صحيح مسلم: "من أتى عرَّافًا فسأله عن شيءٍ لم تقبل له صلاة أربعين ليلة".
{وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ}: أي ما يعلم كل من في المسوات والأرض أي وقت يبعثون فيه بعد موتهم؛ لأن وقت البعث والنشور من جملة الغيب الذي اختص الله - سبحانه - بعلمه، فلا يحق لهؤلاءِ المشركين أن يطالبوا نبيهم - صلى الله عليه وسلم - من آن لآخر ببيان وقته بمثل قولهم: {مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} (?) كما لا يحق لهم أن يستنكروه بمثل قولهم: {أَإِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا} (?).
66 - {بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمُونَ}:
بين الله في الآية السابقة أن الغيب مما استأثر الله - تعالى - بعلمه، وفي جملته وقت البعث بعد الموت، فإنه من الغيوب التي اختص بعلمها العليم الخبير.
وجاءَت هذه الآية لتبين أن المشركين وإن لم يؤمنوا بالبعث للحساب والجزاءِ، فقد تدارك علمهم بأن لهم آخرة ينتهون إليها، وتتابع وعيهم بأَنهم يبعثون على لسان الصادق المصدوق المؤيد بالمعجزات - صلى الله عليه وسلم - ودلت الأَمارات على إمكانه، فإنه من قدر على البدءِ فهو قادر على الإِعادة من باب أَولى، كما شهد العقل بمجيئه ولا بد، فإِنه لا يعقل أَن تزول الحياة الدنيا ولا تعقبها آخرة يجزى فيها المحسن على إِحسانه، والمسىءُ على إساءَته، فإن عدالة الله تأْبى ذلك.
فهؤلاءِ المشركون تدارك علمهم وتتابع على هذا النحو، وكان عليهم أن يؤمنوا بها، ولكنهم لم يفعلوا، بل هم في شك من مجيئها، مترددون في أَمرها، بل هم من ناحيتها عُمْيٌ عن أدلتها، وكان عليهم أن يطمئنوا إلى مجيئها بقيام الأدلة عليها، وأن يعملوا لها.
ومن المفسرين من فسر تدارك علمهم بالآخرة بفناء علمهم بها، كما يقال: تدارك بنو فلان: إذا تتابعوا في الهلاك، وعلى هذا يكون معنى الآية: بل فنى علمهم بشئون الآخرة، مع توافر أسبابه ودواعيه بقيام الأدلة الواضحة على مجيئها، قال صاحب القاموس: بل ادارك علمهم في الآخرة: جهلوا علمها ولا علم لهم بشيءٍ من أمرها. اهـ