وليس مع الله إله يصنع ذلك، فقد تنزه عن الشريك والنظير بذاته المتفردة بكل خواص الأُلوهية المستتبعة لجميع صفات الكمال والجلال، المقتضية لكون المخلوقات جميعها مقهورة تحت سلطانه، وفي ذلك ما فيه من التحقيق والتقرير وقوة الاستدلال على نفى أن يكون معه - سبحانه - الله آخر.
64 - {أَمَّنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ... } الآية.
كان هؤلاء للشركون يقرون أنه - سبحانه - يبدأُ الخلق ويتكفل بالرزق، وينكرون مع ذلك البعث بعد الموت، فألزمهم - تعالت أسماؤه - الإقرار بالبعث الذي ينكرونه؛ لأنه من قدر على الفعل بدءًا كانت الإعادة عليه أَهون، أي: لا أحد سواه يقدر على أن يبدأ الخلق من عدم ثم يعيده بالبعث، وخوطب به المشركون مع إنكارهم للبعث؛ لأنه لما وضحت براهينه وتمكنوا من إدراكها جُعِلوا كأنهم معترفون بوقوعه فم يبق لهم عذر في الإنكار.
{وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ}:
وهو - سبحانه - القادر وحده على أن يرزقكم من السماء والأرض بأسباب سماوية وأرضية رتبها وفق ما اقتضته حكمته ممَّا يدل على أنه ليس هناك - كما يزعمون - إله آخر موجود مع الله يقدر على فعل شيء يذكر.
فإن تمسك أُولئك المشركون بعد هذا بدعواهم فقل لهم - أيها النبي موبخًا لهم ومنكرًا عليهم -: أقيموا لنا برهانًا عقليًّا أو نقليًّا على صحة ما تدَّعُون إن كنتم صادقين، ولن يتأَتى لهم الإتيان به مهما حاولوا، كما قال تعالى: {وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ} (?).