وينعمون بخيراتها، والتصرف فيها قومًا بعد قوم، وجيلًا بعد جيل، ولو أبقى الله الناس جميعًا ولم يجعل بعضهم خلفاءَ بعض فإن الأرض تضيق بالخلائق ويحصل لهم فيها من المشقة والعنت ما لا قبل لهم باحتماله.
ثم وبخهم على شركهم بقوله - سبحانه -: {أإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ} فإذا لم يكن معه إله في تلك النعم فلماذا أعرضتم عنه - تعالى - بعد كل ذلك وعبدتم غيره وأنتم تعلمون أنه ليس هناك إله غير الله الخالق المنعم، قلما تتعظون لقلة تذكركم هذه النعم المذكورة في الرخاء، قلة تصل إلى العدم وتجرى مجراه في عدم الجدوى، فلو ذكرتموها في الرخاء لاهتديتم لأنها من الوضوح والظهور بحيث لا يتوقف تذكرها إلا على التوجه إليها ليعلم أنها من خصائص الأُلوهية التي لا يقدر على الاتصاف بها سواه.
63 - {أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْر}:
أي: إن الله وحده هو الذي يرشدكم إلى الطريق في ظلمات البر والبحر إذا سافرتم ليلًا حيث جعل لكم النجوم وعلامات الأرض لتهتدوا بها ليلًا، وهداكم إلى علامات بالأَرض إذا اشتبه عليكم الطريق، كما قال تعالى: {وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ (16)} (?).
ويجوز أن يراد من ظلمات البر والبحر ما يحدث فيها من التباس السبيل على المسافرين ليلًا أو نهارًا، بأَن تجعل مفاوز الأرض التي لا أعلام لها، ولجج البحار كأنها ظلمات الليل؛ لأنها تشبهها في إيجاد الحيرة والتردد لعدم وجود ما يهتدى به في أرجائها.
{وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ}: أي: أنه - سبحانه - هو الذي يبعث لكم الرياح أمام السحب الممطرة مبشرات بنزول المطر رحمة منه بعباده ليغيثهم به من الجفاف والجدب، وذلك بإروائهم، وإحياءِ الأرض بعد موتها بمائها لتنبت من كل زوج بهيج، كما قال - سبحانه -: {وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ} (?).