قال تعالى: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا} (?) تكريما لك ورفعا لمنزلتك لتنال بجهدك المبذول أَو في الجزاء، وأَكرم المثوبة، فقابل هذه النعمة الجليلة بالشكر والصبر على جهاد المعاندين المتكبرين بكل ما أُوتيت من قوة، مع المبالغة في إِنكار ما يدعونك إليه كما قال تعالى:

52 - {فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا}:

أَي فلا تطعهم فيما يدعونك إِليه من اتباع آلهتهم وهو دَفْعٌ له - صلى الله عليه وسلم - وللمؤمنين على التشدد معهم والمبالغة في الإِنكار عليهم {وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا}: أَي وجاهدهم بعون الله وتوفيقه، أَو بالقرآن، كما قال ابن عباس، وذلك بتلاوة ما فيه من الحجج والبراهين، والقوارع والزواجر، والمواعظ اللافتة إلى عاقبة الأُمم التي كذبت رُسُلَها لإِظهار عجزهم، وتبصيرهم بسوءِ مصيرهم، وكأَنه نُهى بهذه الآية عن الملاينة، وقد كان المشركون يدعون الرسول إلى مهادنتهم وملاينتهم والكف عن تسفيه أَحلامهم وآلهتهم، فجاءت هذه الآية لقطع أَطماعهم، وحثه - صلى الله عليه وسلم - على مجاهدتهم وملاحقتهم بالإِنذار والوعيد دون فتور، كما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ} (?).

وكان جهاده - صلى الله عليه وسلم - كبيرا؛ كما أمره الله - عز وجل - فلم تلن له معهم قناة، مع ما بذلوه معه من الأَماني الفسيحة إِن أَطاعهم، ولا مع قسوتهم الشديدة عليه وعلى أَصحابه حينما رفض عروضهم السخية.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015