التفسير
21 - {وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلَائِكَةُ أَوْ نَرَى رَبَّنَا ... } الآية.
هذه الآيات تحكى بعضا آخر من أَقاويل الكفار الكاذبة، وتبين ردها وبطلانها - تحكيها - عَقِب حكايته أَباطيلهم في أَمرِ التوحيد والنبوة والقرآن التي ذكرتها الآيات السابقة، وأَتبعتها ما ينقضها، ويظهر فسادها.
ولما كان ما حكى عنهم قد بلغ الغاية في الشناعة والقبح؛ نبّه سبحانه على أَن ما قالوه لا يصدر إلاَّ عمن لا يتوقعون الرجوع إليه سبحانه بالبعث والحشر، فالمراد من عدم رجائِهم لقاءَ ربهم: أَنهم لا يتوقعونه أصلًا لإنكارهم البعث والجزاءَ بالكلية، لا أَنهم لا يتوقعون حسن اللقاء، ولا يخافون سوء العذاب، فإنهم ينكرون البعث والجزاءَ إنكارًا تامًّا.
أي: وقال الذين ينكرون لقاءَنا يوم الجزاءِ: هلاَّ أنزل علينا من السماء الملائكة، فتخبرنا بصدق محمَّد - صلى الله عليه وسلم - أو تبلغنا أمر الله ونهيه بدل محمَّد - عليه الصلاة والسلام - أو نرى ربنا أَمامنا، ليخبرنا بما يريده منا، بغير وسيط بيننا وبينه أَو يخبرنا بصدق محمَّد في رسالته. وفيما نطقوا به إمعان بالغ في التكذيب، والعناد، يعرب عنه قوله سبحانه:
{لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيرًا}:
أَي: اعتقدوا في أَنفسهم أَنها كبيرة القدر، رفيعة الدرجة زَهْوًا وغرورًا، وقد دفعهم ذلك إلى أَن يسأَلوا الشطط؛ لأن الملائكة لا تُرى إلاَّ عند الموت، أَو عند نزول العذاب.
والله سبحانه: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} (?).
وتعقيب حكايته باطلهم بالجملة القسمية؛ مشعر مع التأْكيد بأَن ما هم عليه من استكبار وعتوّ؛ غاية في القبح والغرابة، بحيث يحتاج إلى توكيده.
والمعنى: والله لقد بالغوا في كبرياء أَنفسهم، وفي الظلم والطغيان مبالغة تجاوزوا فيها الحد تجاوزا كبيرًا بلغ أَقصى غاياته، حتى اجترأوا على التفوّه بمثل هذه العبارة الشنعاء