فأَنزل الله تعالى هذه الآية، فكاتبه حويطب على مائة دينار، ووهب له منها عشرين دينارا فأَداها، وقتل بحنين في الحرب، ذكره القشيرى، وقال مكى: هو صبيح القبطى غلام حاطب بن أبي بلتعة (?).

وسواءٌ أكان للآية سبب نزول أم لم يكن، فإِن الله تعالى أَمر فيها المؤْمنين أَن يكاتبوا أَرقاءَهم إن طلبوا منهم ذلك، وعلم سيد كل عبد منه خيرا، فإن طلبها الرقيق وأَباها سيده، فله ذلك؛ لأَن إِجابته ليست بواجبة بل مَنْدوبة عند أَكثر العلماء - كما حكَاه البيضاوى - وعَللَه؛ بأَن الكتابة معاوضة تتضمن الإِرفاق فلا تجب كغيرها من المعاوضات إِلا عن تراض (?)، وقال جماعة: بوجوبها عملا بظاهر النص، ومنهم عكرمة وعطاء وعمرو بن دينار، وروى ذلك عن عمر بن الخطاب وابن عباس، واختاره الطبرى , واحتج داود أَيضا بأَن سيرين والد محمد بن سيرين، سأَل أَنس بن مالك المكاتبة وهو مولاه فأَبى أَنس، فرفع عمر عليه الدِّرة فكاتبه أَنس , قال داود: وما كان عمر ليرفع عليه الدرة فيما لا يباح له أَن يفعله.

والمراد بعلم السادة الخير في أَرقائِهم: أَن يعرفوا فيهم الدين والقدرة على الاكتساب والوفاء بما تعاقدوا عليه مع سادتهم، وكان ابن عمر يكره أَن يكاتب عبده إذا لم تكن له حرفة، ويقول: أَتأمرني أَن آكل أَوساخ الناس - يعني صدقاتهم - وبعث عمر بن الخطاب إِلى عامله عُمَيْر بن سعد أَن ينهى المسلمين أن يكاتبوا أَرقاءَهم على مسأَلة الناس، وكرهه الأَوزاعى، وأحمد، وإسحاق، ورخص فيه مالك، والشافعي، وأَحمد, وعلي - رضي الله عنه - وفي رواية أُخرى عن مالك: أَنه كره مكاتبة الأَمة التي لا حرفة لها لما تؤَدى إِليه من فسادها.

وقد رد من قال بجواز مكاتبة من لا حرفة له على المانعين بحديث روته الصحاح عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: (دخلَتْ عليَّ بريرة فقالت: إِن أَهلى كاتبوني على تسع أَوَاقٍ في

طور بواسطة نورين ميديا © 2015