والمقصود منه: توبيخهم على طول أَملهم في الدنيا، واغترارهم بنعيمها وهم فيها، مع أَنها إِلى زوال، واللبث فيها قليل، وتحسيرُهم وتنديمُهمْ على كفرهم بالآخرة، مع أنها - دار الخلود.
والمعنى: قال الله للكافرين: كم عدد السنين التي لبثتموها في الأرض، واغتررتم بنعيمها وتوهمتم البقاءَ فيها وعدم العودة إلينا لحسابكم وجزائكم على ما كان منكم؟ ولما كانت مواعيد الرسل لهم بالآخرة وبقائها قد تحققت لهم معاينة بعد البعث، فقد عرفوا أَن لبثهم في الدنيا كان قليلًا بالنسبة إليه في الآخرة، فلهذا أَجابوا ربهم قائلين:
113 - {قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَاسْأَلِ الْعَادِّينَ (113)}:
أي: لبثنا زمنًا قليلًا نَتَخَيَّلُه يومًا واحدًا أو بعض يوم، فاسأل القادرين على العدِّ من الملائكة الحاسبين لأعمال العباد وأَعمارهم، فهم أعلم منا بذلك، وأَقدر منا على الإِجابة، فلقد دهتنا الدواهى التي نراها في الآخرة، فأنستنا الزمن الذي مكثناه في نعيم الدنيا، وأَصبحثا لا نراه أَكثر من يوم أو بعض يوم، بالنسبة لما نحن مقبلون عليه من خلود في شقاءٍ وعذاب، ولقد صدقهم الله فيما أجابوا به عن قلة مكثهم في الدنيا فيما حكاه بقوله:
114 - {قَالَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} (?):
قال الله ردًّا على أَهل النار: ما لبثتم في الدنيا ونعيمها إِلَّا زمنًا قليلًا كما قلتم اليوم، لو أَنكم في دنياكم كنتم من أَهل العلم والتَّدبُّر، لأدركتم فيها ما أدركتموه اليوم، من أَن زمن الدنيا قصير ونهايته قريبة، وزمن الآخرة طويل بغير نهاية، ولعملتم بمقتضى هذا العلم، ولم يصدر منكم ما أَوجب خلودكم في النار.
أَخرج ابن أَبي حاتم بسنده إِلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أَنه قال: "إن الله إذا أَدخل أَهل الجنة الجنة وأَهل النار النار قال: يا أهل الجنة، كم لبثتم في الأَرض عدد سنين قالوا: لبثنا يومًا أَو بعض يوم، قال: لَنعْمَ ما أَنجزتم في يوم أَو بعض يوم،