وخُصَّ العقلاءُ بالذكر في قوله تعالى: {وَمَنْ فِيهِنَّ} لأن غيرهم تبع لهم في الصلاح والفساد. {بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِذِكْرِهِمْ}: انتقال من التشنيع عليهم بما سبق إلى التشنيع عليهم لإعراضهم عما جبلت عليه النفس من الإقبال والرغبة فيما فيه خيرها ونفعها , أي: بل أتيناهم بالقرآن الذي فيه عزهم وشرفهم , حسبما ينطق به قوله تعالى: {وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ} (?) فكان يجب عليهم لهذا أن يسرعوا إليه , ويقبلوا ما فيه أكمل قبول , ولكنهم عكسوا الآية {فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ} أي: فَهُمْ بما فعلوا من نكوص وإعراض معرضون عما فيه شرفهم وفخرهم , وبيان ثوابهم وعقابهم , مسرعون إلى نقيضه مما لا يطلب منهم الإقبال عليه والاهتمام به.

وفي وضع الظاهر موضع المضمر حيث لم يُقَل: {فَهُمْ عَنْهُ} إشارة إلى مزيد من التشنيع عليهم والتقبيح لهم.

وقيل: المراد بذكرهم: ما تمنوه بقولهم: {لَوْ أَنَّ عِنْدَنَا ذِكْرًا مِنَ الْأَوَّلِينَ. لَكُنَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ} (?) والحق أنه قد جاءَهم ذكر خير من ذكر الأولين , أي: كتاب خير من كتبهم , فأَعرضوا عنه جهلًا وعنادًا.

72 - {أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجًا فَخَرَاجُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (72)}:

انتقال لتوبيخ آخر يوبخ به سبحانه الكافرين على عدم إيمانهم بما جاءَهم به الرسول من الحق دون أَن يسأَلهم عليه أجرًا, والمعنى: بل أتسألهم يا محمد أجرًا على الرسالة , فبسبب ذلك لا يؤمنون بك , ولأجله يعرضون عن رسالتك؟ {فَخَرَاجُ رَبِّكَ خَيْرٌ}: الجملة تعليل لنفى السؤال الذي استفيد من الإنكار, أي: لم تسألهم ذلك , ولا يتأتى منك؛ فإن ما رزقك الله إياه في الدنيا , وما أعده لإثباتك في الآخرة خير من رزقهم؛ لدوام رزق الخالق واستمراره وعدم تحَمُّل المنة في رزقهم.

والتعرض لعنوان الربوبية مع الإضافة لضميره - عليه الصلاة والسلام - إيذان بأعظم التشريف وأكمل التعظيم له - صلى الله عليه وسلم - والخَرْجُ أقل من الخَرَاجِ , فهو بمعنى:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015