اختلف في كونها مدنية أَو مكية، والجمهور على أَنها مختلطة، فمنها مكى ومنها مدنى، قال القرطبى: وهذا هو الأَصح لأَن الآيات تقتضى ذلك، ثم نقل عن الغزنوى قوله في هذه السورة: "وهى من أَعاجيب السور، نزلت ليلًا ونهارًا، سفرًا وحضرًا، مكيا ومدنيَّا، سلميًّا وحربيًّا، ناسخا، ومنسوخا، محكما ومتشابها".
بدأت هذه السورة بأَمر الناس بتقوى الله، والتحذير من أَهوال يوم القيامة حيث يحاسبون على أَعمالهم، وأَتبعته التحذير من الجدال في الله بغير علم، وبيَّنت أطوار خلق الإِنسان ودلالتها على البعث، كما بينت دلالة إِخراج النبات من الأَرض عليه.
ثم حذرت من عبادة الله على حرف - أَي على ضعف وشك - فإِنه وخيم العاقبة، وأَتبعت ذلك بيان حسن مآل المؤمنين الصادقين، وأَنه تعالى سينصر رسوله على من كفر به، وسيفصل بين المؤمنين وأَعدائهم يوم القيامة، وأَنه تعالى يخضع لسلطانه من في السموات والأَرض، وجميع الكائنات العلوية والسفلية، وأَن كثيرا من الناس يسجد له سجود طاعة عملا بشرائعه، وكثيرا منهم حق عليهم العذاب بسبب عدم سجودهم وخضوعهم لشرائعه، ثم بينت مصير المختصمين في ربهم، فذكرت أَن الكافرين تقطع لهم ثياب من نار، ويعذبون بمختلف أَلوان التعذيب فيها، وأَن المؤمنين يدخلون الجنة ويحلون فيها بالذهب واللؤْلؤ ويلبسون ثياب الحرير، ويهتدون فيها إِلى الطيب من القول مثل: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ}، ويهتدون إِلى طريق الله الحميد في سلوكهم فليس فيها لغو ولا كذب ولا شغب، فأَقوالهم دائما طيبة، وأَعمالهم حسنة، وعشرتهم مرضيه ثم بينت أنه تعالى عرَّف إِبراهيم مكان البيت ليبنيه للطائفين والعاكفين والركع السجود، وأَمره أَن يدعو الناس إِلى حجه مشاة وركبانا، يأْتون من كل فج عميق ليشهدوا منافع لهم، ويذكروا اسم الله على ما رزقهم من بهيمة الأَنعام، وأَن يَطَّوَّفوا بالبيت العتيق، وحذرت من الشرك بالله في أَداءِ المناسك، وأَوجبت تعظيم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب،