43، 44 - {اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى. فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى}:
لم يكن هرون مع موسى وقت مكالمة ربه، فقد كان موسى عائدًا من (مَدْيَنَ) بعد هجرته إِليها عشر سنين عقب قتله القبطي، وكان هارون مقيمًا بمصر، حيث لم يحدث منه ما يقتضي تركه لها، كما حدث لموسى، والأَمر موجّه إِليهما مع أَن هارون غير موجود في ساحة الخطاب، على سبيل تغليب الحاضر على الغائب، ولأَن هارون سوف يصدق أَخاه حين يبلغه أمر ربه بإِشراكه معه في الرسالة إلى فرعون، فلهذا جُعل في حكم الحاضر المخاطب.
وروى أن هارون أُوحي إِليه بمصر، أَن يتلقى أخاه، وقيل: بل أُلهم ذلك، وقيل: سمع بإِقباله فتلقاه، وعلى أَي حال فقد التقى موسى بأخيه هارون، وعرف أن الله أرسله وأَشركه مع موسى في تبليغ رسالة ربه.
والمعنى: اذهب يا موسى أنت وهارون أَخوك مصحوبَيْن بآياتى، إلى فرعون ملك مصر، فِإنه جاوز الحدَّ في ظلم الخلق، وفي الغرور حيث ادعى الألوهية، فادعواه إِلى الإيمان بى وترك الطغيان على عبادى، واستعملا أسلوب اللِّين في دعوتكما إِياه إلى الهدى وترك الطغيان لعله بهذا الأسلوب اللين البعيد عن الخشونة يتذكر عظمة الله وآياته، ويمعن في التأمل فيها، أَو يخاف سوءَ المصير الذي ينتهى إليه أَهل الطغيان، فيؤمن بربه، وينتهى عن غروره وطغيانه.
ولفظ: (لَعَلَّ) يستعمل للرجاء وللتعليل، فِإن أُريد منها الرجاءُ هنا، فالرجاءُ يكون من موسى وهارون.
والمعنى على هذا: فقولا لفرعون قولًا ليِّنًا ترجوان بهذا اللين أَن يتعظ أو يخاف سوءَ المصير فيؤْمن، ولا يصح أَن يكون الرجاءُ من الله، لأنه تعالى يعلم قديمًا من غرور فرعون إصراره على الكفر والطغيان، وأنه بعيد عن التذكرة والخشية، ولكنه أرسلهما إليه ليقيما الحجة عليه، وإن أُريد من لعل التعليل. فالمعنى: لكي يتعظ أَو يخاف.
وقد استنبط من الآية أَن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ينبغي أَن يكون بأُسلوب لين لا خشونة فيه، لكي يتأَثر باللين من تدعوه إلى الخير، فإن الخشونة في الدعوة تأْتى بعكس المقصود، قال تعالى لرسوله: {وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِ