وأَما تفسير الاستواء على العرش بالاستقرار فيه كما تقول المشبِّهة، فهو باطل وكفر {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} (?). ثم بين سبحانه سعة سلطانه وشمول قدرته لجميع الكائنات فقال:

6 - {لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى}:

أَي له وحده عَزَّ وَجَلَّ دون غيره، جميع ما في السماوات وَمَا فِي الأرضِ، سواء كان ذلك جزءا منهما أو حالاًّ فيهما، وله ما بينهما من كل كائن في الجوّ كالسحاب والهواء وما لا يعلمه سواه جل وعلا، وله ما وراء التراب من طباق الأرض ومعادنها ومياهها الجوفية، إِلى غير ذلك مما لا يحيط بعلمه إلا الله تعالى، له كل ذلك خَلْقًا وملكًا وتَصرُّفًا، وذكر ما تحت الثرى مع دخوله تحت قوله {وَمَا فِي الْأَرْضِ} لزيادة التقرير.

7 - {وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى}:

والخطاب في هذه الآية للنبي - صلى الله عليه وسلم -، والمراد أُمته، أو لكل مخاطب، والمراد بالقول عمومه، فيشمل الذكر والدعاء وغيرهما، وقيل المراد به ذكر الله تعالى ودعاؤُه خاصة؛ وجواب الشرط مقدر، أَي وإن تجهر بالقول فاعلم أَن الله غنى عن جهرك؛ فإنه يعلم السر وأخفى، وفيه إِرشاد العباد إِلى أن الجهر بالنسبة إِلى الله تعالى لا داعى إِليه؛ لأنه يعلم السر وأَخفى؛ ما لم يكن للعبد فيه غرض شرعى كما سيأتى.

والسرُّ ما تُحَدِّث به غيرك في خفاءٍ، والأخفى منه ما تحدِّث به نفسك ولا تَتَفوَّه به أصلًا. والمعنى: وإِن ترفع صوتك أَيها الإنسان بذكر الله تعالى أَو بدعائه أَو بغيرهما فإنه تعالى يعلمه؛ لأنه يعلم السر الذي تسرُّه، ويعلم ما هو أخفى منه مما تضمره وما توسوس به نفسك. وعلى أن المراد بالقول ذكر الله تعالى ودعاؤُه خاصة، فالمعنى: وإِن تجهر بذكر الله تعالى، وبدعائه كقوله جل ذكره {وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ} (?). وإِنما ينهى عن الجهر بذكره تعالى، ما لم تدع إِليه حاجة، كالتعليم والإرشاد وتثبيت الذكر في النفس، ومنع الوسوسة فيجوز في حدود الرفق والاعتدال، قال الآلوسى: فقد صح ما يزيد على عشرين حديثًا في أَنه - صلى الله عليه وسلم - كثيرًا ما كان يجهر بالذكر،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015