في وقت من أوقات هذا العمر الطويل، بل كلما دعوتُكَ استجبتَ لي، توسل عليه السلام إلى ربه في استجابة دعائه بما سلف من الاستجابة له عند كل دعوة دعاها - إثر تمهيد ما يستدعى الرحمة به من غير سنه وضعف قوته، فإنه تعالى بعد ما عود عبده الإجابة دهرًا طويلًا لا يكاد يخيبه ابدًا، ولا سيما عند اضطراره وشدة افتقاره، وفي هذا التوسل من الإِشارة إلى عظم كرم الله عَزَّ وَجَلَّ ما فيه .. ويذكر المفسرون هنا ما يروى أن حاتمًا الطائى - أَو معن ابن زائدة - أتاه سائل فسأله وقال: أنا الذي أَحسنتَ إليه وقت كذا، فقال: مَرْحَبًا بمن توسل بنا إلينا، وقضى حاجته .. وأين كَرَمُ الكرماءِ أَجمعين، من كَرَم رب السموات ورب الأرض ورب العرش العظيم.
5 - {وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا ... } الآية.
هذا عطف على قوله: {قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي ... } فندرج فيما يستدعى رحمة ربه واستجابة دعائه، أي وإنى خشيت أقاربى الذين يلون الأمر من بعد موتى، ألا يحسنوا الخلافة، فيسيئوا إِلى الناس، ولا يقوموا مقامي في الدعوة إليك والحفاظ على شريعتك وإِنما خافهم لأنهم كانوا من شرار بنى إِسرائيل، وكانت امرأته عاقرًا لا تحمل ولا تلد، من شبابها إِلى شيبها، وهذا مما يزيد أقاربه تلهفا على خلافته وإِن لم يحسنوها.
قدم عليه السلام في ندائه لربه وضراعته إِليه، ضعف قوته وكبر سنه وشيخوخته، وخوفه من مواليه مع عقم امرأته - قدم هذا بين يدي سؤاله ربه هبة طيبة من ذريته (?) وذلك قوله: {فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا}:
أَي أَعطنى من فيض فضلك الواسع وقدرتك الباهرة، ابنا من صلبى يلي الأَمر من بعدي يقوم مقامي ويحسن خلافتي، وإنى وإن كنت متقدمًا في السن، وكانت امرأَتى عاقرًا - ولا تزال - فإنك قادر على تحقيق مطلبى من غير الأسباب العادية، وأنك إذا أردت، قلت للشىء: كن، فيكون. ثم وصف عليه السلام وليه الذي استوهبه من ربه فقال: