{مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ}: التمكين فيها بمعنى الإقدار عليها، يقال: مَكَّنَهُ أي جعله قادرًا، ومكن له أي جعل له قدرة. (سَبَبًا): أَي وسيلة وطريقة.

{فَأَتْبَعَ}: أي فاتَّبع فَهُمَا بمعنى واحد هنا. {فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ}: أَي في عين ذات حمأة، وهى الطين الاسود - وذلك في رأى الحين - وسيأتى شرح ذلك باستفاضة.

التفسير

83 - {وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُوعَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْرًا}:

ذكر الله قبل هذه القصة ما حدث بين موسى والخضر، وعقبها بذكر قصة ذى القرنين ليكونا آية على نبوته صلى الله عليه وسلم، فإن القصتين لا يعلمها سوى أهل الكتاب، في حين أَنه صلى الله عليه وسلم لا سبيل له إِلى علمهما إلاَّ بقراءة كتبهم، أو بتعلمها منهم، ولا سبيل له إِلى قراءتها، لأنه أمَّى، {وَمَا كُنْتَ تَتْلُومِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ}. كما أنه لا سبيل له إلى تعلمها منهم، لأنهم لا يوجدون بمكة، ولم يكل له اتصال بهم، ولهذا كانوا يسألونه عن تلك الغيبيات، إما بتحريض قريش على سؤاله، وإِما بسؤالهم إياه بأنفسهم، وأكثر الآثار تدل على أن السؤال حصل منهم قبل نزول هذه الآيات، والتعبير بالمضارع {وَيَسْأَلُونَكَ} استحضار للصورة الماضية لغرابة سؤالهم إياه على سبيل الامتحان، مع ما يشاهدونه عليه من الصدق والأمانة، وما أيده الله به من الآيات البينات.

وذو القرنين ملِك صالح مكن الله له في المشارق والمغارب، كما سيتضح من تفاصيل قصته إِن شاء الله.

وقد اختلف في شخصه، فقيل هو الإسكندر المقدونى - وهو رأى معظم المفسرين، قال النيسابورى: أصَحُّ الأقوال فيه أنه هو الإسكندر بن فيلقوس الرومى الذي ملك الدنيا بأسرها، إذ لو كان غيره لانتشر خبره ولم يخف مكانه.

وقال الفخر الرازى: لما ثبت بالقرآن أن ذا القرنين ملك الدنيا أو ما يقرب منها وثبت في التاريخ أن من هذا شأنه لم يكن سوى الإسكندر، وجب القطع بأن ذا القرنين

طور بواسطة نورين ميديا © 2015