هؤُلاء المشركين وبين الإدراك السليم، فجعل على عقولهم أغشية كراهة أن يفهموه فهمًا يؤَدِّي بهم إلى السلوك السوِيِّ؛ لأنهم طبعوا على الخبث والضلال، وجعل الله في آذانهم صَمَمًا عن الاستماع إلى الحقائق وإدراكها وذلك لانصرافهم عن الحق، وتواصيهم بعدم سماعه، حيث قالوا: {لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ} (?) ولهذا باعد الله بينهم وبين الإِصغاء والاستفادة منه جزاءَ انصرافهم، ولو علم فيهم خيرًا لهداهم وأَسمعهم سماع قبول قال تعالى: {وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ} (?).
والمقصود من جعل الله الأَكِنةَ على القلوب، والوَقْر في الآذان أن لا يأخذ بقواهم العلمية نحو الحق لإعراضهم عنه.
{وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا}: وإِن تدعهم إلى طريق الهدى فلن يستجيبوا لك؛ لأنهم الآن ليسوا أَهلا للهداية، ولأن الهداية ليست بيدك، وإنما هي بيد الله {لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} وذلك حينما يحين أَوان الهداية، وقد هداهم الله إِلى الحق في فتح مكة في السنة الثامنة للهجرة.
{وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُوالرَّحْمَةِ لَوْ يُؤَاخِذُهُمْ بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلًا (58) وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِدًا (59)}
المفردات:
{الْغَفُورُ}: واسع المغفرة والصفح. {مَوْئِلًا}: ملجأ يلجئون إِليه. {مَهْلِكِهِمْ}: هلاكهم.
التفسير
58 - {وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُوالرَّحْمَةِ}: وربك - أيها الرسول - واسع المغفرة صاحب الرحمة، حيث كتبها على نفسه فضلا وكرما، فلا يعذب أَحدا من عباده المحسنين الطائعين.