سورة الكهف - ويقال لها سورة أَصحاب الكهف - مكية. وهي الثامنة عشرة في ترتيب المصحف وآياتها عشر ومائة. وقد افتتح الله تعالى كتابه بالحمد في سورة الفاتحة ثم افتتح بالحمد كذلك أربع سور مكيات، اشتملت كل سورة منهن على أصول الإسلام الثلاثة: التوحيد، والرسالة؛ والبعث، وهي أهم مقاصد القرآن المجيد.
الأولى: الأنعام، وهي آخر سورة في الربع الأول من هذا الكتاب العزيز، والثانية سورة الكهف وهي مشتركة بين آخر الربع الثاني، وأول الربع الثالث، والثالثة والرابعة سبأُ وفاطر، وهما آخر الربع الثالث. ومما يذكر في مناسبتها لسورة الإسراء: افتتاح تلك بالتسبيح، وافتتاح هذه بالتحميد. والتسبيح والتحميد أخوان مُتلَازمان في ميزان الأعمال، وفي كثير من الأحوال. ومن هذا التآخي سبحان الله والحمد لله؛ ومنه قوله تعالى: {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ} (?). ومن المناسبات التشابه بين اختتام تلك وافتتاح هذه؛ فإن في كل منهما حمدًا، وهناك مناسبات أخرى يدركها القارئ.
ابتدأ الله تبارك وتعالى هذه السورة الكريمة بالثناء على ذاته المقدسة؛ لإنزاله كتابه العزيز على عبده ورسوله الكريم محمد صلوات الله وسلامه عليه، كتابا مستقيما لا اعوجاج فيه ولا زيغ، يهدي به إِلى صراط مستقيم، نذيرا للكافرين وبشيرا للمؤْمنين، ولما حمَّل الرسول صلى الله عليه وسلم نفسه من الحزن على إعراض قومه - ما لا يُطيق - قال له ربه: {فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا} (6) يعاتبه على إجهاد نفسه فرق طاقتها رحمةً به، فما عليه إلا البلاغ، وقد بلغ {فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} (29). ثم قص الله تعالى على نبيه صلى الله عليه وسلم قصصا من إنباء الغيب، في كل قصة منها عبرة وتذكرة، وتقريرٌ لمقصد من مقاصد القرآن الكريم في الدعوة إِلى الهدى والحق: