ويجوز أن يراد مما أنزله الله على المقتسمين ما سبق نزوله من الإنذار للمعرضين عن القرآن المتقوِّلين عليه كقوله تعالى فى حق الوليد بن المغيرة: {ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا (11) وَجَعَلْتُ لَهُ مَالًا مَمْدُودًا}، وقوله: {سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا}، وقوله: {سَأُصْلِيهِ سَقَرَ (26) وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ (27) لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ (28) لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ (29) عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ} (?). وذلك عقاب له على قوله في القرآن: {إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ (24) إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ}. وكقوله فى سورة فصلت: {فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ} (?). وعلى هذا يكون قوله سبحانه: {فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (92) عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ}. وعيدًا آخر غير ما سبق نزوله بشأنهم.
ويجوز أن يكون الضمير في قوله تعالى: {فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} عائدا على الناس جميعًا، وليس خاصًّا بهؤلاء المقتسمين، أي وحق ربك يا محمد لنسألن الناس جميعًا - مؤمنهم وكافرهم عما كانوا يعملون فى دنياهم {لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى} (?).
وليس سؤاله سبحانه سؤال استفهام واستعلام وإِنما هو سؤال تقريع وتوبيخ أَو تقرير، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لا يسألهم الله تعالى: هل عملتم كذا وكذا لأنه أعلم بذلك منهم وإنما يقول: لم عملتم كذا وكذا؟ وروى الترمذي بإسناد حسن صحيح عن أبي برْزة رضىي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لَا تَزولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ القيَامَةِ حَتَّى يُسَألَ عَنْ أرْبَع: عَنْ عُمُرِه فِيم أفْنَاهُ، وَعَنْ عِلْمِهِ مَاذَا عَمِلَ بِهِ، وَعَنْ مَالِهِ منْ أيْنَ اكتَسَبَهُ وَفِيْمَ أنفَقَهُ، وَعَن جِسْمِهِ فِيمَ أبلَاهُ"؟
ولا منافاة بين هذه الآية وقوله تعالى فى سورة الرحمن: {فَيَوْمَئِذٍ لَا يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلَا جَانٌّ} (?).
وكذا فى سورة المرسلات: {هَذَا يَوْمُ لَا يَنْطِقُونَ (35) وَلَا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ} (?).