الذئب أَكله، وإِحضار قميصه لأَبيه ملوثا بدم كذب، فروايتك لتلك الأَحداث شاهدة بأَنك تلقيتها من العليم الخبير الذي أَنزل عليك القرآن مشتملا عليها وعلى غيرها من أَحداث القصة بتفصيل دقيق محكم.

وكما أَنه صلى الله عليه وسلم لم يكن عند إِخوة يوسف وهم يمكرون به، فإِنه لم يشاهد سائر أَحداث القصة التي جاءَت بها السورة، ولم يكن عند ذويها وقت حدوثها. وإِنما اكتفى النص بما كان من إِخوة يوسف لأَنه مفتاح الأَحداث كلها، فهو رمز إِليها، أَلا ترى أَنه قد جاءَ عقب قوله سبحانه: (ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ). أَي ذلك الذي تقدم في السورة من أَحداثها.

ومع أَن المفسرين قد أَجمعوا على إِرجاع الضمير في (لَدَيْهِمْ) إِلى إِخوة يوسف لمكرهم به فإِنه يمكن إِرجاعه إِلى جميع من مكر به، سواءٌ كانوا إِخوته أَو امرأَة العزيز وصاحباتها أَو غيرهم.

(وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ (103) وَمَا تَسْأَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ (104)

التفسير

103 - (وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ):

كان صلى الله عليه وسلم شديد الحرص على إِيمان قومه، وكان يرجو هدايتهم بعد سماعم قصة يوسف الموافقة لما في التوراة، فلما لم يؤْمنوا نزلت هذه الآية يواسى بها الله رسوله وَيُسَرِّى عنه ما يقاسيه من أَحزان لانصراف معظم أَهل مكة عن دعوة الحق التي جاءَهم بها، وإِمعانهم في المكابرة والضلال مع ظهور آياتها وبراهينها، فيُقَرِّرُ له سبحانه أَن هذه الظاهرة هي طبيعة معظم الناس لا أَهل مكة وحدهم، فكأَنه تعالى يقول لرسوله: وما أَكثر أَهل الأَرض بمؤْمن ولو حرصت على إِيمانهم، وبالغت في إِقامة الحجج والبراهين لهم، فإِن عقولهم تتحكم فيها أَهواؤُهم وتقليدهم لآبائِهم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015