(إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ): وبذلك تم الجوابان الحكيمان؛ جواب الصديق وجواب أبيه - عليهما السلام - على اعترافات إخوة يوسف بالذنب، وقد عرف من جواب الصديق أَنه عفا عنهم فورًا وعرف من جواب أَبيه أَنه وعد بالاستغفار لهم، ولم يعجل بالعفو عنهم، وعن السر في ذلك الاختلاف أَجاب السيد محمد رشيد رضا في تفسيره الخاص بسورة يوسف بما خلاصته: أَنَّ حال يوسف مع إِخوته هي حال الحاكم القادر، بل الملك القاهر مع المسىءِ إِليه الضعيف لديه، الذي كبرت إِساءَته فاستحيا من طلب غفرانها، فتبرع أَخوهم بغفرانها تأْمينا لهم من خوف الانتقام وكان قادرًا عليه، وتعجيلا لهم بسرور الحياة التي جعل الله أَزمتها في يديه، فكان المثل الأَعلى في حسن الأُسوة، وما ينبغي أَن يكون عليه الإخوة، وأَما حال أَبيهم معهم فإنها حال المربى المرشد للمذنب الذي لا يخشى منه انتقاما، وليس من حسن التربية أَن يُرِيَهُم أَن ذنبهم هيّنٌ لديه، فليس بينهم وبين غفرانه لهم إِلا كلمة يقولونها بأَلسنتهم، على أَن ذنبهم كان موجها إليه وإلى يوسف وأخيه، فمن العدل أَن يكون استغفاره لهم، بعد علمه بحالهم مع أَخويهم ولم يكن على علم بعفو يوسف عنهم.
ثم إِن ذنوبهم من الذنوب العِظام التي طال عليها الأَمد، والتي لا تغفر -بحسب شرع الله وسنته- إِلاَّ بتوبة نصوح تجدد حياتهم. اهـ ما قاله السيد رشيد ملخصا هذا، وقد رُوىَ عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أَن يعقوب عليه السلام أخَّر الاستغفار لهم إلى السَّحَر لأَن الدعاءَ فيه مستجاب، وروى عنه أَيضا أَنه أَخَّرَه إلى ليلة الجمعة، وفي رواية عن طاووس سحر ليلة الجمعة، وجاءَ ذلك في حديث طويل رواه الترمذي وحسَّنَه عن ابن عباس برفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم.