بعد إلقاءِ يوسف في البئر، فقد روى عن ابن عباس أَنه قاله لإِخوته: قد علمتم أَنى ذهبت إِلى أَبي بقميص التِّرحة فدعونى أَذهب إِليه بقميص الفرحة، أَراد أَن يمحو السيئة بالحسنة.
فتركوه يتقدمهم استعجالا بنعمة البشارة، وهم على أَثره، وحكى السُّدِّىُّ أَنه يهوذا، وأَنه قال ليوسف: أَنا الذي حملت إِليه قميصك بدم كذب، وأَنا الذي أحمله إِليه الآن لأَسره وليعود إِليه بصره -والله أَعلم.
والظاهر أَن يوسف عليه السلام علم بالوحى أَن إِلقاءَ القميص على وجه أَبيه يرد إِليه بصره بإذن الله تعالى.
وقيل: إِن يوسف لما علم أَن أباه عرا بصره ما عراه من كثرة البكاء عليه بعث إِليه قميصه ليجد ريحه، فيزول بكاؤُه ويفرح قلبه فرحًا شديدا فعند ذلك يزول الضعف ويقوى البصر، بل يقوى الروح والبدن كلاهما، ولا عجب، فللسرور والفرح بإِذن الله آثار حسية ومعنوية لا تنكر.
(قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ): هذا خطاب لبنيه القادمين وفي مقدمتهم البشير، يذكرهم -وقد عاد بنعمة الله بصيرا- بما قاله لهم حين ابيضت عيناه من الحزن، وهو أَنه يعلم من أَمر يوسف وحياته ما لا يعلمون، وكان هذا العلم إِلهاما من الله عَزَّ وَجَلَّ وطمأَنَةً منه على أَن يوسف لا يزال حيا، أَما بكاؤُه عليه فهو بكاءُ شفقة وحرمان من رؤيته يأْسا من حياته، ولهذا قال لبنيه: "اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللهِ .... " الآية.