ولم يجالس من قرأها وعلم بها، فقد نشأَ بين قريش الوثنية، فهذا برهان واضح على أَن الله تعالى هو الذى أَعلمه بها وأَوحاها إِليه، وأنه صادق فيما أَبلغكم عن الله، وأَن الإيمان بنبوته فيه النجاة، وأَن الكفر بها يستتبع الهلاك.
ويرى بعض المفسرين أَن الخطاب فيها للرسول - صلى الله عليه وسلم - لغرض تهييجه وإثارته، ليزداد ثباتًا على دينه، من غير احتمال وقوع شك منه، وهذا الرأْى لا يصح قبوله بحال من الأحوال، فإن فرض الشك فيه لأى غرض من الأغراض وبأَى تأْويل مما قالوه، مخالف للنقل مرفوض من جهة العقل، وخطأٌ فاحش استغله أعداءُ الإِسلام، وقالوا إن محمدًا لم يكن متيقنًا أنه رسول من الله - تعالى - وساقوا هذه الآية وتفسير المفسرين لها على هذا النحو تأييدًا لفريتهم، فكيف يصح عقلا أَن يفرض الشك في الرسول لغرض إثارته وزيادة تثبيته - كما أَولوا به موضوع فرض الشك فيه - فهل كان الرسول - صلى الله عليه وسلم - بحاجة إِلى مزيد تثبيته وإِثارته، لكي يزداد استمساكه بتبليغ دعوة ربه، كلا وألف مرة كلا، فقد سجل القرآن الكريم ما يناقض ذلك، قال تعالى: {فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى} (?).
وكيف يحتاج الرسول إِلى التثبيت وهو الذي كان يقول: "والله لو وضعوا الشمس في يمينى والقمر في يسارى، على أن أَترك هذا الدين، ما تركته حتى يظهره الله أَو أهلك دونه". وكيف يحتاج إلى التثبيت وإِلى سؤال أَهل الكتاب ليزداد طمأْنينة، وهو الذي تحمل من إيذاء قومه ثلاثة عشر عامًا، ما لا تحتمله الشمُّ الرواسى، وشاركه في ذلك من آمن معه من المؤمنين حتى مات بعضهم من شدة العذاب، ألم يقاطعهم المشركون لا يؤاكلونهم ولا يزاوجونهم ولا يبيعونهم الطعام، حتى اضطروهم إلى الإقامة في شعب أَبي طالب ثلاث سنين، ووصل بهم الجوع هناك إِلى أن يأكلوا أَوراق الشجر وهم صابرون، وكيف يستطيع أن يحمل عبءَ هذه الدعوة