والمعنى: وقل يا محمد تبليغًا لهؤلاءِ ولجميع المكلفين، اعملوا وراقبوا الله تعالى فيما تعملون، فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون في دنياكم، مهما حاولتم إِخفاءَها فاجتهدوا في أَن تكون أَعمالكم في حدود البرِّ والطاعة، بعيدة عن الإثم والمعصية، ليحمدها الله ورسوله والمؤمنون، وستردون في أُخراكم إلى عالم كل غائب خفى، وظاهر جلى، فيخبركم بما كنتم تعملون في دنياكم، فيجزيكم عليه، إِن خيرًا فخير، وإِن شرًا فشر، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ يَعْمَلُ فِى صَخْرَةٍ صَمَّاءَ لَيْسَ لها بَابٌ وَلاَ كُوَّةٌ، لخرَجَ عَمَلُه لِلنَّاسِ كائِنًا مَا كَانَ" أَخرجه أَحمد وأَبو يعلى وغيرهما عن أَبي سعيد.
{وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (106)}
التفسير
106 - (وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ ... ) الآية.
نزلت هذه الآية كما قال ابن عباس في كعب بن مالك ومرارة بن الربيع وهلال بن أُمية، فإنهم لم يسرعوا إلى التوبة والاعتذار عن تخلفهم في غزوة تبوك، كما اعتذر أَبو لُبابة وأَصحابه بعد أَن ندموا على تخلفهم، وحزنوا حزنًا شديدًا جعلهم يشدون أَنفسهم على سوارى المسجد، وقد وقف النبي صلى الله عليه وسلم هؤلاءِ الثلاثة، ونهى عن أَن يسلموا عليهم ويكلموهم، حتى يكون أَمرهم عبرة لغيرهم فلا يحاول أَحد أَن يتخلف عن الجهاد وهو قادر عليه، وكان هؤلاءِ الثلاثة من أَصحاب بدر فهجرهم الناس وكانوا مختلفين في شأْنهم، فمن قائل هلكوا، ومن قائل عسى الله أَن يغفر لهم، فصاروا عندهم مرجئين لأَمر الله تعالى، وقد صح رأْى هؤلاءِ فيهم، وبه نزل القرآن الكريم.