{قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ}:
قال إبليس: أنا خير من آدم، لأنك خلقتنى من نار وخلقته من طين. والنار أشرف عنصرا من الطين. والمخلوق من العنصر الأَعلى، لا يسجد لمن خُلِق منْ عنصر هو دونه ..
وقد وُبِّخ إِبليس هنا على مخالفة الأمر. وَوُبِّخَ في سورة [الحِجْرِ] على مخالفة الجماعة، بقوله تعالى: {مَا لَكَ أَلَّا تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ} (?) ووُبِّخ في سورة [ص] على الاستكبار على من خلقه الله بيديه بقوله: { ... مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ} (?) وكل منها ذنب يستحق أَشد التوبيخ عليه.
وإبليس بقوله: {خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ} يُجِيبُ ربَّه بجواب يرجع إِلى المعنى. ذكره استبعادًا لأَن يؤمر بالسجود لآدم، وهو- في رَأْيه الفاسد - أَفضل منه ..
فكأَنه قال: منعنى من السجود أنني أفضل منه. فقد خلقتنى من نار، وخلقته من طين. والفاضل لا يسجد للمفضول .. وهو بهذا يرد أمر ربه له، بسبب القياس الفاسد الذي ذكره.
ومن المعلوم شرعا أَن النص لا يصح ردّه بالقياس الصحيح، فكيف بالقياس الفاسد، كالذى قاله إبليس!!.
قال ابن عباس والحسن وابن سيرين: أول من قاس: إبليس، فأَخطأ القياس.
فَمَنْ قاس الدين برأْيه: قرنه الله مع إِبليس ..
وقال ابن سيرين: ما عُبِدَتِ الشمسُ والقمر إِلا بالمقاييس ..
وفساد قياس إِبليس ناشئ من أن كلاًّ من التراب والنَّارِ يختص بفوائد ليست لغيره. وكل منهما ضرورى لهذه النشأة. فترجيح أحدهما على الآخر. حاصل بدون مرجح. كما أنه لا يَعْلَمُ أَسرار الترجيح - إِن وُجدت - سوى الخالق جلّ وعلا.
على أَنه لا يصحُّ رجوع الفضل إِلى المادة دون النظر إِلى غيرها.
فآدم خير منه خَلْقًا، فقد خلقه الله بيديه. أَي بلا واسطة، قال تعالى: {مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ