لأمره بإقامتها والنهي عن كتمانها، {إِنَّا إِذًا لَمِنَ الآثِمِينَ} [المائدة: 106] أي: إن كتمناها لكنا من الآثمين.
ولما رفعوها إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ونزلت الآية، أمرهم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يستحلفوهما: بالله الذي لا إله إلا هو، ما قبضنا له غير هذا ولا كتمنا.
فحلفا على ذلك وخلي سبيلهما، ثم اطلع على إناء من فضة معهما، فارتفعوا إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فنزل قوله: {فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْمًا} [المائدة: 107] أي: فإن اطلع على أنهما أتيا خيانة، واستوجبا إثما بيمينهما الكاذبة، {فَآخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا} [المائدة: 107] أي: مقام الشاهدين اللذين من غيركم {مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ} [المائدة: 107] أي: من ورثة الميت وهم الذين استحق عليهم الوصية الأوليان أي: الأقربان للميت.
وقرأ حمزة الأولين: وهو نعت لجميع الورثة المذكورين في هذه الآية في قوله: {مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ} [المائدة: 107] ، وتقديره من الأولين الذين استحق عليهم الإيصاء.
وإنما قيل لهم الأولين لتقدم ذكرهم في قوله: {يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ} [المائدة: 106] ، وكذلك: {اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ} [المائدة: 106] ، وذكر في اللفظ قبل قوله: {أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ} [المائدة: 106] وقرأ حفص استَحَقَّ بفتح الحاء والتاء بمعنى وجب، والمعنى: فآخران من الذين وجب عليهم الإيصاء بتوصية ميتهم وهم ورثته.
وقوله: {فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِنْ شَهَادَتِهِمَا} [المائدة: 107] قال ابن عباس: ليميننا أحق من يمينهما.
وسميت اليمين ههنا شهادة، لأن اليمين كالشهادة على ما يجب عليه أنه كذلك، وما اعتدينا: فيما قلنا من أن شهادتنا أحق من شهادتهما.
فلما نزلت هذه الآية قام عمرو بن العاص، والمطلب بن أبي وداعة السهميان، فحلفا بالله أنهما ما خانا