أَنْتَ إِلا بَشَرٌ مِثْلُنَا وَإِنْ نَظُنُّكَ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ {186} فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ {187} قَالَ رَبِّي أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ {188} فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ إِنَّهُ كَانَ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ {189} إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ {190} وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ {191} } [الشعراء: 181-191] {وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ} [الشعراء: 181] أي: من الناقصين للكيل والوزن، يقال: أخسرت الكيل والوزن، أي أنقصته، ومنه قوله تعالى: {وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ} [المطففين: 3] .
وقوله: {وَالْجِبِلَّةَ الأَوَّلِينَ} [الشعراء: 184] الجبلة الخليقة، يعني الأمم المتقدمين قبلهم، لما أمرهم بإتمام الكيل والوزن وتقوى الله، كذبوه وسألوه العذاب إن كان صادقا.
وهو قوله: {فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ} [الشعراء: 187] ومضى تفسير هذا.
قَالَ شعيب: {رَبِّي أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ} [الشعراء: 188] أي: من نقصان الكيل والوزن، والمعنى: إنه أعلم به، فهو مجازيكم ومعذبكم إن شاء، وليس عندي العذاب.
{فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ} [الشعراء: 189] قال المفسرون: بعث الله عليهم حرا شديدا أخذ أنفاسهم، فدخلوا أجواف البيوت، فدخل عليهم الحر فأخذ بأنفاسهم، فخرجوا من البيوت هربا إلى البرية، فبعث الله عليهم سحابا أظلتهم من الشمس، فوجدوا لها بردا، ونادى بعضهم بعضا حتى إذا اجتمعوا تحتها أرسل الله عليهم نارا فكان من أعظم يوم في الدنيا عذابا.
فذلك قوله: {إِنَّهُ كَانَ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} [الشعراء: 189] ومعنى الظلة ههنا السحاب التي قد أظلتهم.
{وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ {192} نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ {193} عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ {194} بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ {195} } [الشعراء: 192-195] قوله: {وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الشعراء: 192] يعني القرآن.
{نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ} [الشعراء: 193] نَزَّلَ اللهُ بالقرآن جبريل، وهو أمين الله فيما بين الله وبين أنبيائه، فيما استودعه الله من الرسالة إليهم.
وقوله: {عَلَى قَلْبِكَ} [الشعراء: 194] أي: تلاه عليك حتى وعيته بقلبك، {لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ} [الشعراء: 194] ممن أنذر بآيات الله المكذبين.
{بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ} [الشعراء: 195] قال ابن عباس: بلسان قريش لتفهموا ما فيه، فلا يقولوا لأنفسهم ما يقول محمد.
{وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الأَوَّلِينَ {196} أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ {197} وَلَوْ نَزَّلْنَاهُ عَلَى بَعْضِ الأَعْجَمِينَ {198} فَقَرَأَهُ عَلَيْهِمْ مَا كَانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ {199} } [الشعراء: 196-199] وَإِنَّهُ وإن ذكر القرآن وخبره، {لَفِي زُبُرِ الأَوَّلِينَ} [الشعراء: 196] لفي كتبهم، يعني أن الله أخبر في كتبهم عن القرآن، وأنزله على النبي المبعوث في آخر الزمان، قال مقاتل: وإن أمر محمد ونعته وذكره لفي كتب الأولين.
وهذا كقوله: {يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ} [الأعراف: 157] .
قوله: {أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ