أعمال المؤمنين التي ذكرها الله، {هُمْ لَهَا عَامِلُونَ} [المؤمنون: 63] إجماع المفسرين، وأصحاب المعاني على أن هذا إخبار عما سيعملونه من أعمالهم الخبيثة التي كتبت عليهم، لابد لهم أن يعملوها، {حَتَّى إِذَا أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِمْ} [المؤمنون: 64] أغنياءهم ورؤساهم، {بِالْعَذَابِ} [المؤمنون: 64] بالسيوف يوم بدر، {إِذَا هُمْ يَجْأَرُونَ} [المؤمنون: 64] يصيحون إلى الله، ويصيحون ويقال لهم: {لا تَجْأَرُوا الْيَوْمَ إِنَّكُمْ مِنَّا لا تُنْصَرُونَ} [المؤمنون: 65] لا تمنعون منا، نزلت في الذين قتلوا ببدر، ثم ذكر أن إعراضهم عن القرآن أوجب أخذهم بالعذاب بقوله: {قَدْ كَانَتْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ} [المؤمنون: 66] يعني القرآن، {فَكُنْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ تَنْكِصُونَ} [المؤمنون: 66] تتأخرون عن الإيمان به، {مُسْتَكْبِرِينَ} [المؤمنون: 67] الكناية تعود إلى البيت، أو الحرم، أو البلد مكة في قول الجميع، وهو كناية عن غير مذكور، والمعنى: مستكبرين بالبيت والحرم لأمنكم فيه مع خوف سائر الناس في مواطنهم، تقولون: نحن أهل الحرم فلا نخاف.
وقوله: {سَامِرًا} [المؤمنون: 67] السامر الجماعة يسمرون بالليل، أي يتحدثون، {تَهْجُرُونَ} [المؤمنون: 67] يجوز أن يكون من الهجران، وهو قول الحسن، ومقاتل، واختيار المفضل، والمعنى: تهجرون القرآن وترفضونه فلا تلتفتون إليه ولا تنقادون له، كما قال: {أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ} [المؤمنون: 105] ويجوز أن يكون من الهجر، وهو قول القبيح، يقال: هجر يهجر هجرا إذا قال غير الحق.
وهو قول السدي، والكلبي، ومجاهد، وقتادة.
وكانوا إذا خلوا حول البيت، سبوا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والقرآن، وقالوا فيهما السوء، ويقال في هذا المعنى أيضا: أهجر إهجارا إذا أفحش في منطقه، وهو قراءة ابن عباس، ومجاهد.
قال الله تعالى: {أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جَاءَهُمْ مَا لَمْ يَأْتِ آبَاءَهُمُ الأَوَّلِينَ {68} أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ {69} أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ بَلْ جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ {70} وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ {71} أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجًا فَخَرَاجُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ {72} وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ {73} وَإِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ عَنِ الصِّرَاطِ لَنَاكِبُونَ {74} وَلَوْ رَحِمْنَاهُمْ وَكَشَفْنَا مَا بِهِمْ مِنْ ضُرٍّ لَلَجُّوا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ {75} } [المؤمنون: 68-75] {أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ} [المؤمنون: 68] أفلم يتدبروا القرآن فيعرفوا ما فيه من العبر والدلالات على صدق محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، {أَمْ جَاءَهُمْ مَا لَمْ يَأْتِ آبَاءَهُمُ الأَوَّلِينَ} [المؤمنون: 68] قال ابن عباس: يريد أليس قد أرسلنا نوحا وإبراهيم والنبيين إلى قومهم، فكذلك بعثنا محمدا إلى قومه.
{أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ} [المؤمنون: 69] قال ابن عباس: أليس هو محمد بن عبد الله، يعرفونه صغيرا وكبيرا، صادق اللسان، يفي بالعهد؟ وفي هذا توبيخ لهم بالإعراض عنه بعدما عرفوا صدقه وأمانته.
{أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ} [المؤمنون: 70] قال ابن عباس: يريدون به جنون ترونه به.
{بَلْ جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ} [المؤمنون: 70] بالتنزيل الذي هو الحق، يعني القرآن.
{وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ {70} وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ