وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ {112} وَلَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْهُمْ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ وَهُمْ ظَالِمُونَ {113} } [النحل: 112-113] {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا قَرْيَةً} [النحل: 112] الآية، نزلت في أهل مكة، وما امتحنوا به من الخوف والجوع بعد الأمن والنعمة بتكذيبهم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو قوله: قرية يعني مكة، {كَانَتْ آمِنَةً} [النحل: 112] ذات أمن يأمن فيها أهلها لا يغار عليهم، مطمئنة قارة ساكنة بأهلها لا يحتاجون إلى الانتقال عنها لخوف أو ضيق، وهو قوله: {يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ} [النحل: 112] يأتيهم رزقهم في بلدهم، يجلب إليها من كل بلد، كما قال الله تعالى: {يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ} [القصص: 57] ، {فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ} [النحل: 112] حيث كذبوا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وخالفوا أمره، {فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ} [النحل: 112] قال المفسرون: عذبهم الله بالجوع سبع سنين حتى أكلوا الجيف والعظام المحرقة.
قال ابن قتيبة: {لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ} [النحل: 112] ما ظهر عليهم من سوء آثارهم بالضمر والشحوب، وتغير الحال.
ومعنى {فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ} [النحل: 112] عرفها سوء أثرهما، وقد يستعمل الذوق في المعرفة، يقال: ذقت ما عند فلان إذا جربته وعرفته.
ويقال: اركب هذا الفرس تذقه أي: تعرف ما عنده من الجري، ومنه قول الشماخ يصف قوسا:
فذاق فأعطته من اللين جانبا ... كفاف لها أن يعزق السهم حاجزا
والمراد بالخوف خوفهم من النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ومن السرايا التي كان يبعثهم إليهم فيطوفون بهم.
وروي عن أبي عمرو بنصب الخوف حملا على الإذاقة، والكلام في الآية خرج على القرية، والمراد أهلها، يدل على هذا قوله: {بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ} [النحل: 112] فعاد الكلام إلى أهل القرية، قال ابن عباس: يريد بفعلهم بالنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حيث كذبوه، وأخرجوه من مكة، وما هموا به من قتله.
ولقد جاءهم يعني أهل مكة، رسول منهم من نسبهم، {فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ} [النحل: 113] يعني الجوع في قول ابن عباس، وقال مجاهد: يعني القتل ببدر.
ثم خاطب المؤمنين، فقال: {فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلالا طَيِّبًا وَاشْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ {114} إِنَّمَا