رجالا فكيف تعجبوا من إرسالنا إياك ومن قبلك من الرسل كانوا على مثل حالك؟ وقوله: {مِنْ أَهْلِ الْقُرَى} [يوسف: 109] قال ابن عباس: يريد أهل المدائن لأن الله تعالى لم يبعث نبيا من بادية.
قال الحسن: لم يبعث الله نبيا من أهل البادية ولا من الجن ولا من النساء.
وذلك أن أهل البادية يغلب عليهم القسوة والجفاء، وأهل الأمصار أهل فطنة، وقوله: {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ} [يوسف: 109] يعني المشركين المنكرين نبوة محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يقول: أفلم يسيروا فينظروا إلى مصارع الأمم المكذبة فيعتبروا بها وَلَدَارُ الآخِرَةِ يعني الجنة {خَيْرٌ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا} [يوسف: 109] من الدنيا أَفَلا تَعْقِلُونَ هذا فتؤمنوا وتتقوا الشرك؟
482 - أَخْبَرَنَا الأُسْتَاذُ أَبُو مَنْصُورٍ الْبَغْدَادِيُّ، أنا أَبُو عَمْرِو بْنُ مَطَرٍ، أنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَلِيٍّ، نا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أنا أَبُو مُعَاوِيَةَ، نا حَجَّاجٌ، عَنْ عَطِيَّةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَشِبْرٌ مِنَ الْجَنَّةِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا»
قوله: {حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ} [يوسف: 110] قال ابن عباس: يريد من قومهم أن يؤمنوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِّبُوا أيقنوا أن قومهم قد كذبوهم.
وهذا قول عطاء، وقتادة، والحسن، وقرأ أهل الكوفة: كذِبوا مخففة ومعناه: ظن الأمم أن الرسل كذبوهم فيما أخبروهم به من نصر الله إياهم وإهلاك أعدائهم، وهذا معنى قول ابن عباس، وابن مسعود، ومجاهد، والضمير في قوله: وظنوا على هذه القراءة للمرسل إليهم، التقدير: ظن المرسل إليهم أن الرسل أخبروهم بالكذب من أنهم إن لم يؤمنوا بهم نزل بهم العذاب، وإنما ظنوا ذلك لما رأوا من إمهال الله إياهم، وقوله: جَاءَهُمْ نَصْرُنَا قال ابن عباس: يريد: نصر النبيين، والمعنى: أن نصر الرسل على قومهم تأخر عنهم حتى ظن قومهم الظنون، ثم نصروا فأهلك المكذب وأنجي المصدق، وهو قوله: فَنُنْجيَ مَنْ نَشَاءُ وَلا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ وقرأ عاصم، وابن عامر: فنجِّي من شاء بنون واحدة، وتشديد الجيم وفتح الياء جعلاه ماضيا على ما لم يسم فاعله كقوله: ولا يرد لأنهما طلبا موافقة المصحف فإن فيه نونا واحدة، وذلك لاجتماع النونين وأعان على ذلك خفاء النون عند الجيم ولا يرد ولا يمنع عذابنا عن المشركين إذا بلغوا الأجل، قوله: {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُولِي الأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [يوسف: 111] {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ} [يوسف: 111] يعني إخوة يوسف عِبْرَةٌ فكرة وبصيرة من الجهل والحيرة {لأُولِي الأَلْبَابِ} [يوسف: 111] لذوي