ولما نزلت توبة هؤلاء قال الذين لم يتوبوا من المتخلفين: هؤلاء كانوا بالأمس معنا لا يكلمون ولا يجالسون فما لهم؟ فأنزل الله تعالى: {أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ} [التوبة: 104] يقبلها، {وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} [التوبة: 104] يرجع إلى من رجع إليه بالرحمة والمغفرة.
429 - أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي، نا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ بْنِ يُوسُفَ، أنا الرَّبِيعُ، أنا الشَّافِعِيُّ، أنا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ ابْنِ عَجْلانَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا الْقَاسِمِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا مِنْ عَبْدٍ يَتَصَدَّقُ بِصَدَقَةٍ مِنْ كَسْبٍ طَيِّبٍ، وَلا يَقْبَلُ اللَّهُ إِلَّا طَيِّبًا، إِلَّا كَأَنَّمَا يَضَعُهَا فِي يَدِ الرَّحْمَنِ، فَيُرَبِّيهَا لَهُ كَمَا يُرَبِّي أَحَدُكُمْ فَلُوَّهُ، حَتَّى إِنَّ اللُّقْمَةَ لَتَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَإِنَّهَا كَمِثْلِ الْجَبَلِ الْعَظِيمِ» ثُمَّ قَرَأَ {أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ} [التوبة: 104]
قوله: وَقُلِ اعْمَلُوا قال عطاء، عن ابن عباس: يريد: يا معشر عبادي المحسن والمسيء، {فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ} [التوبة: 105] يريد: إن الله يطلع المؤمنين على ما في قلوب إخوانهم من الخير والشر، إن كان خيرا أوقع في قلوبهم لهم المحبة، وإن كان شرا أوقع في قلوبهم لهم البغضة، وقد قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لو أن رجلا عمل في صخرة لا باب لها ولا كوة لخرج عمله إلى الناس كائنا ما كان» .
وقوله: {فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [التوبة: 105] قال ابن عباس، رضي الله عنه: يقفكم على أعمالكم فيثيب المحسن ويعاقب المسيء.
{وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لأَمْرِ اللَّهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [التوبة: 106] قوله: {وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لأَمْرِ اللَّهِ} [التوبة: 106] نزلت في كعب بن مالك، ومرارة بن الربيع، وهلال بن أمية، كانوا مياسير تخلفوا عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في غزوة تبوك من غير عذر، ثم لم يبالغوا في الاعتذار كما فعل غيرهم، فوقف رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمرهم، ونهى الناس عن مكالمتهم ومخالطتهم حتى نزل قوله: {وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا} [التوبة: 118] الآية، وسنذكر قصتهم هناك، ومعنى {مُرْجَوْنَ لأَمْرِ اللَّهِ} [التوبة: 106] مؤخرون ليقضي الله فيهم ما هو قاض، وهو قوله: {إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ} [التوبة: 106] قال الزجاج: إما لأحد الشيئين، والله عز وجل عالم بما يصير إليه أمرهم إلا أنه خاطب العباد بما يعلمون.
والمعنى: ليكن أمرهم عندكم على الخوف والرجاء، فقال ناس: إنهم هلكوا إذ لم ينزل لهم عذر.
وقال آخرون: عسى الله أن يغفر لهم.
قوله: وَالله عَلِيمٌ أي: بما يئول إليه حالهم، حَكِيمٌ فيما يفعله بهم.