إن هذه الآية لا توجب الجهاد على جميع المؤمنين في أحوال الاستقرار وإنما يجب على المؤمنين طلب العلم لأن الجهاد يعتمد على العلم، ولأن نشر الإسلام في الأصل يتوقف على البيان والإقناع بالحجة والبرهان. وهذا يتطلب التنظيم والتقسيم، فتكون فئة من المؤمنين للتفقه والتعلم، وفئة أخرى للجهاد، فإنه بحسب النظام العام الدائم فرض كفاية على الناس، كما أنّ طلب العلم فرض كفاية أيضا.

ومعنى الآية: ما كان من شأن المؤمنين أن ينفروا جميعا، ويتركوا النبي صلّى الله عليه وسلم وحده، فإن الجهاد فرض كفاية، متى قام به البعض سقط الإثم عن الباقين، وليس هو فرض عين على كل مسلم بالغ عاقل، وإنما يصبح فرض عين إذا خرج الرسول للجهاد واستنفر الناس إليه.

لذا حضّ الله تعالى على طلب العلم الذي هو أداة التقدم والرفعة، فهلا نفر في أثناء النهضة من كل جماعة كالقبيلة أو البلد طائفة قليلة منهم للتفقه في الدين، ومعرفة أحكام الشريعة وأسرارها، حتى إذا ما رجع المجاهدون من المعركة، أنذروهم من الأعداء، وحذروهم من غضب الله وعرفوهم أحكام الدين، لكي يخافوا الله، ويحذروا عاقبة عصيانه، ومخالفة أمره.

ثم أوضح الله تعالى بعض قواعد الجهاد، قبل الأمر بقتال الأعداء كافة، على سبيل التدرج في التشريع في أول الإسلام. وأول هذه القواعد أن يبتدئ المجاهدون بالأقرب فالأقرب، ثم ينتقلوا إلى الأبعد فالأبعد، وطبق النبي صلّى الله عليه وسلّم هذه الخطة، فبدأ بقتال قومه في مكة، ثم قاتل سائر العرب، ثم انتقل إلى قتال الروم في الشام، ثم اتجه أصحابه لدخول العراق.

فيا أيها المؤمنون قاتلوا الأقرب فالأقرب منكم إلى ديار الإسلام، فإن فيه التحصن، وهم أولى بالرعاية والهداية، وبهم توجد الأتباع بسبب قرب الجوار،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015