ثم ذكر الله بعد هذه الأسباب الثلاثة دواعي أربعة للقتال: وهي تعداد موجبات القتال، والتحريض على الإغارة في قوله تعالى: أَتَخْشَوْنَهُمْ وكون الله أحق بالخشية لأنه صاحب القدرة المطلقة التي تدفع الضرر المتوقع وهو القتل، والإيمان بقوله إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ فالإيمان قوة دافعة على الإقدام، والخلاصة: لا تخشوا أيها المؤمنون أعداءكم، واخشوا الله وحده، فهو أحق بالخشية منهم، إن كنتم مؤمنين بالله.
ثم أمر الله تعالى المؤمنين بالقتال أمرا صريحا حاسما بقوله: قاتِلُوهُمْ أي قاتلوا أيها المؤمنون أعداءكم، فإن قاتلتموهم يعذبهم الله بأيديكم، ويخزهم بالقتل والأسر والهزيمة، وينصركم عليهم، ويشف صدور قوم مؤمنين امتلأت غيظا من أفعال المشركين بهم في مكة، وهم بنو خزاعة حلفاء الرسول صلّى الله عليه وسلّم الذين بيتهم بنو بكر والمشركون ليلا، وأعملوا فيهم السيف قتلا وذبحا بالوتير، قائمين وقاعدين، راكعين وساجدين.
وبالرغم من شناعة فعل المشركين بالمؤمنين، فإن الله تعالى يقبل توبة من يتوب عن كفره منهم، وقد حدث ذلك فعلا، فأسلم أناس منهم، وحسن إسلامهم، مثل أبي سفيان وعكرمة بن أبي جهل، وسليم بن أبي عمرو. والله عليم بما يصلح عباده، حكيم في أفعاله وأقواله الكونية والشرعية، فيفعل ما يشاء، ويحكم ما يريد، وهو العادل الحكيم الذي لا يجور أبدا، ولا يفعل إلا ما اقتضته الحكمة، ويجازي كل إنسان بما قدم من خير أو شر، في الدنيا والآخرة.
إن إعداد الأمة إعدادا قويا، وبناء قوتها الذاتية، يتطلب عملا متواصلا من الجهاد، والاعتماد على الذات وثقات الناس، والإقبال على عمارة المساجد عمارة مادية بالبناء والترميم، ومعنوية بالصلاة والعبادة والخدمة، وعقد حلقات العلم