تفاخروا بالأحياء، ثم قالوا: انطلقوا بنا إلى القبور، فجعلت إحدى الطائفتين تقول:
فيكم مثل فلان يشيرون إلى القبور، ومثل فلان، وفعل الآخرون مثل ذلك، فأنزل الله: أَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ (1) حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقابِرَ (2) لقد كان لكم فيما رأيتم عبرة وشغل.
وأخرج ابن جرير عن علي رضي الله عنه قال: كنا نشك في عذاب القبر، حتى نزلت: أَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ (1) إلى قوله: ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (4) في عذاب القبر.
لقد شغلكم بلذاته ومفاتنه التفاخر والتباهي بالأموال والأولاد والأعوان، والاعتناء بكثرتها وتحصيلها، شغلكم عن طاعة الله والعمل للآخرة، حتى أدرككم الموت، وأنتم على تلك الحال. وهذا خبر فيه تقريع وتوبيخ وتحسر. والتكاثر: التفاخر بالأموال والأولاد والعدد جملة، وهذا ولع أهل الدنيا ودأبهم وعادتهم، سواء من العرب وغيرهم، لا يتخلص منه إلا العلماء المتقون.
أخرج البخاري ومسلم وأحمد وغيرهم: أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «يقول ابن آدم: مالي مالي، وهل لك من مالك إلا ما أكلت فأفنيت، أو لبست فأبليت، أو تصدقت فأمضيت» .
ومعنى حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقابِرَ (2) مختلف فيه، قال بعضهم بما يناسب سبب النزول: حتى ذكرتم الموتى في تفاخركم بالآباء والسلف، وتكثّرتم بالعظام الرميم، وقال آخرون: المعنى، حتى متّم وزرتم بأجسادكم مقابركم، أي قطعتم بالتكاثر أعماركم. وعلى هذا التأويل روي أن أعرابيا سمع هذه الآية، فقال: بعث القوم للقيامة، وربّ الكعبة، فإن الزائر منصرف لا يقيم.
كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (3) أي ارتدعوا وانزجروا عن هذا التكاثر الذي يؤدي إلى