ثم أمر الله نبيه بالتذكير بهذه الأدلة والبراهين الحسية، فقال فَذَكِّرْ أي فذكر أيها النبي الناس بما أرسلت به إليهم، وعظهم وخوفهم، ووجّههم للتأمل بهذه الشواهد الدالة على قدرة الله على كل شيء، ومنها البعث والمعاد، وليس عليك إلا التذكير فقط، فإنما بعثت لهذا الغرض، ولا سلطان ولا سيطرة لك عليهم، لحملهم على الإيمان بالله تعالى ربا واحدا لا شريك له، وتصديقهم بجميع رسالتك، رسالة الخير والإنقاذ والسعادة والنظام، فإن آمنوا فقد اهتدوا، وإن أعرضوا فقد ضلوا وكفروا وشقوا.
لكن من تولى عن الوعظ والإرشاد والتذكير، وكفر بقلبه ولسانه، فيعذبه الله في الآخرة بعذاب جهنم الدائم، عدا عذاب الدنيا من قتل وأسر واغتنام مال، لأنه إذا كان لا سلطان لك عليهم، فإن الله تعالى هو المسيطر عليهم، لا يخرجون عن قبضته وقوته وسلطانه. والعذاب الأكبر: عذاب الآخرة، لأنهم قد عذّبوا في الدنيا بالجوع والقتل وغيرهما. فقوله تعالى: إِلَّا مَنْ تَوَلَّى الصحيح أن الاستثناء منفصل أو منقطع.
ثم أكد الله تعالى وقوع البعث والحساب والعذاب، سواء اعتقد المشركون ذلك أم لم يعتقدوا، فقرار الله تعالى حاسم، وهو: إن إلينا مرجعهم ومصيرهم، ونحن نحاسبهم على أعمالهم بعد رجوعهم إلى الله بالبعث، إن خيرا فخير، وإن شرا فشر، فلا مفر للمعرضين، ولا خلاص للمكذبين من العقاب.
إن توكيد قرار وقوع البعث والقيامة دليل على أنه لا مفر لأحد من تطبيق قانون العدالة المطلق، حتى لا يغبن أحد في عمله، فليس من الحق والعدل والمعقول أن يتساوى المحسنون والأشرار، والمستقيمون والفجار، والمؤمنون والكفار، فمن آمن وأطاع، حق له الإنعام والتقدير والإحسان، ومن كفر وعصى كان بدهيا أن يلقى جزاءه العادل على عمله الذي اختاره في الدنيا.