في الآخرة، فبالتفكر في الموت تهون الأمور، ولا يعبأ أحد بما يلقاه في الدنيا من مصاعب ومشكلات ومؤذيات، فكل إنسان إلى الموت سائر، فمن كان مسيئا لنفسه ودينه وأمته فإساءته محدودة موقوتة، لا داعي للتضجر منها ولا التألم، وسيجازى عليها جزاء أوفى. ومن كان مؤمنا عاملا الخير، يوفى جزاءه وحقه كاملا غير منقوص يوم القيامة.
ومن نحّي عن النار وأدخل الجنة، فقد فاز فوزا عظيما، لأن روحه سمت وغلبت صفاته الطيبة على نوازعه الشريرة، واتجه بعمله لإرضاء الله سبحانه.
وما حياتنا الدنيا التي نحياها ونشغلها بالماديات كالطعام والشراب، أو بالمعنويات كالجاه والمنصب إلا أوضاع زائلة نتمتع وننتفع بها، ثم تزول بسرعة، والمفتون بالدنيا ومظاهرها مغرور مخدوع دائما، لأن الحياة الدنيا وكل ما فيها من الأموال هي متاع قليل، تخدع المرء وتمنّيه بالأباطيل، فالواجب على العاقل ألا يغتر بالدنيا وألا يسرف في حبها، وإلا أصابه شررها عند فراقها، إنما الدنيا جسر للآخرة، فمن أحسن العبور بالعمل الطيب لنفسه وأمته، فقد أصاب الهدف، وكان متعقلا واعيا.
وليست الدنيا خالية من المصاعب والمتاعب، ولا بد من أن يتعرض المرء فيها لألوان من الأذى والشدائد، سواء في داخل الأمة والبلاد، أم في خارج الديار من الأعداء، لذا كان لا بد من الامتحان العسير في الحياة في الأموال والأنفس، والاختبار في المال يكون من الله بطلب بذله في جميع وجوه الخير وفيما يعرض من حوائج وآفات، والاختبار في النفس يكون بطلب الدفاع والجهاد في سبيل الله والتعرض للقتل والموت في الحرب وغيرها من أجل إسعاد الأمة برمتها.
ويتعرض المسلمون في كل عصر لألوان من المحن والمؤامرات من المشركين وأهل الكتاب، ويلحقون بهم الأذى الكثير في الاعتبار والكرامة والديار والطعن في الدين