أقوى منا حتى يقهرنا، فرد الله عليهم على سبيل التوبيخ: أولم يعلموا، ويتفكروا أن خالقهم الذي أوجدهم هو أشد منهم قوة، فإنه الموجد للشيء، المذهب متى شاء، وكانوا جاحدين آيات الله، فعصوا الرسل، وأنكروا معجزاتهم وأدلتهم القاطعة المعدّة للنظر والتأمل، والمنزّلة من عند الله تعالى.
وعقابهم أن الله تعالى أرسل عليهم ريحا شديدة التأثير بصوتها، وشديدة البرد والحر، في بضعة أيام مشؤومات متتابعات، لإذاقتهم عذاب الذل والهوان في الدنيا، وعذاب الآخرة أشد إهانة وإذلالا من عذاب الدنيا، وهم لا يجدون ناصرا ينصرهم، ولا دافعا يدفع عنهم العذاب.
وأما قبيلة ثمود في شمال الحجاز نحو الشام إلى وادي القرى، فبيّن الله لهم طريق الحق والهدى والنجاة، فآثروا العمى، أي اختاروا الكفر على الإيمان، وآثروا العصيان على الطاعة، وكذّبوا رسولهم، وعقروا الناقة معجزة صالح عليه السّلام، فأصابهم العذاب الشديد المهلك المهين، بسبب تكسبهم وجناية أيديهم: وهو التكذيب للرّسل، وجحود رسالاتهم.
وأنقذ الله تعالى من العذاب صالحا عليه السّلام ومن آمن معه برسالته، وكانوا متّقين ربهم، بأداء فرائضه، وترك معاصيه، لم يمسّهم سوء، ولا نالهم من ذلك ضرر أو مكروه.
وهذا الإخبار عن مصائر الكافرين الجاحدين من عذاب الهوان والإذلال، وعاقبة من آمن واتقى ونجا بإيمانه، ليبين الله الفرق، ويظهر الشيء ويتميز بضده.
ألم يكف هؤلاء المشركين إنذار الله تعالى بسوء العذاب، ألم يفكروا بسوء المصير، ويوازنوا بينه وبين مصير المؤمنين؟! ولكن القوم كانوا عمي البصيرة، أخذتهم العزة بالإثم، ولم يتفادوا العقاب الإلهي.