(الجماعات) الذين تحزبوا على الرسل من بعد قوم نوح، كعاد وثمود وأهل مدين وأصحاب لوط، وقوم فرعون وغيرهم، فإنهم جاهروا بتكذيب الرسل، فعوقبوا أشد العقاب.
وعزمت كل أمة من تلك الأمم المكذبة برسولهم المرسل إليهم على أخذه، لحبسه وتعذيبه، أو قتله، أو طرده، وجادلوا الرسل بالشبهة المزيفة، وبباطل القول وزخرف الكلام، لرد الحق، وإبطال الإيمان الصحيح.
وقوله تعالى: لِيَأْخُذُوهُ معناه: ليهلكوه، والأخيذ: القتيل أو الأسير، فأخذهم الله، أو أهلكم ودمرهم.
فانظر كيف كان عقابي الذي عاقبتهم به؟ فإنه كان مهلكا مستأصلا. فيكون قوله تعالى: فَكَيْفَ كانَ عِقابِ تعجيب وتعظيم، وليس باستفهام عن كيفية وقوع الأمر.
ثم أكد الله تعالى هذا المعنى بقوله: وَكَذلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ.. أي وكما أخذت أولئك المذكورين وأهلكتهم، فكذلك حقت كلماتي، ووجب عذابي على جميع الكفار، من تقدّم منهم ومن تأخر، أنهم أهل النار وسكانها. وهذه كلها عبارة عن تحتم القضاء عليهم، فما دام السبب واحدا أو العلة واحدة، فإن الجزاء أو العذاب واحد، وهو استحقاقهم النار.
إن عدالة القرآن الكريم، وبيانه البديع، وقانونه الحق المبرم يتطلب كل ذلك الإذعان لدعوته وامتثال أمر الله وطاعته، والحذر من مخالفته وعصيانه، ولو لم يكن ذلك منهج القرآن الذي يسوّي بين جميع البشر في الحساب والجزاء، لما أيقن أهل الإيمان بقدسيته، ولما جعلوه بمثابة الروح والقلب والدم في نفوسهم، بل الذي لا يعلوه شيء ولا يتقدم عليه شيء.