افتتحت هذه السورة بالأحرف الأبجدية المقطعة للتنبيه والتحدي وبيان إعجاز القرآن، لذا اقترنت هذه الحروف غالبا بالكلام عن القرآن والإشادة به. لقد أنزل الله هذا القرآن من عنده إنزالا لا شك فيه، من غير أدنى اعتبار لارتياب الكفرة، فهو تنزيل من رب العالمين: عالم الإنس والجن، ولا شك فيه، من جهة الله تعالى، وليس بسحر ولا شعر ولا سجع كهان.
بل أيقولون زورا وبهتانا: اختلقه محمد من عنده، بل هو الحق الثابت، أي هو حق من عند الله رب محمد، أنزله إليه لينذر به قوما- أي قريشا ومن جاورهم والعالم كله- بأس الله وعذابه، إن كفروا وعصوا، ولم يأتهم منذر سابق من قبل النبي محمد صلّى الله عليه وسلّم، لعلهم يهتدون بإنذاره.
والذي أنزل القرآن الكريم: هو الله تعالى خالق السماوات والأرض ومبدعهما وما بينهما، من غير مثال سابق، في مدة ستة أيام، ليست من الأيام المعروفة، ثم استوى على أعظم مخلوقاته: وهو العرش العظيم استواء يليق بذات الله وجلاله من غير تشبيه ولا تمثيل ولا تحديد بزمان أو مكان، وليس لكم أيها الناس ولا سيما الكفار ولي، أي ناصر ينصركم، ويدفع عنكم العذاب، ولا شافع يشفع لكم عنده إلا بإذنه، بل هو المالك المطلق لكل شيء، أفلا تتدبرون وتتعظون، فتؤمنوا بالله وحده لا شريك له.
إن منزل القرآن: هو الذي يدبر أمر الكون كله، أي ينفذ الله تعالى قضاءه لجميع ما يشاؤه، ثم يرجع اليه خبر أمره وتنفيذه في يوم من أيام الدنيا، مقداره ألف سنة، مما تعدّون في هذه الحياة، لأن ما بين السماء والأرض خمس مائة سنة. والمعنى: أن الأمور تنفّذ من عنده، ثم يعود إليه عاقبة أمره.
وذلك المدبّر لأمور الكون: هو العالم بجميع الأشياء، يعلم الغائب عن الأبصار،