يختلف عن قانون البشر ويسمو عنه، فإن الإنسان يعطي إنسانا آخر جزاء مكافئا لعمله، وقد ينقصه في الغالب بسببه ظلم الإنسان لأخيه، أما عطاء الله تعالى فلا يحدّه حدود، ولا يبخس منه شيء، سواء كان العمل قليلا أو كثيرا بحسب تقدير الإنسان، لأن ربّك هو الغني ذو الرّحمة، وهو واسع المغفرة، غافر الذنب، وقابل التّوب، لا يجاريه أحد في عطائه، ولا يسبقه أحد في جوده وسخائه.
أفليس من واجب الإنسان إذن أن يرغب في العطاء الكثير الدائم، فيعمل عملا صالحا يؤهّله لنيله؟ أو ليس من وعي الإنسان وإجراء حسابه أن ينفر ويحذر من سوء العمل الذي يعرّضه للخسران والضياع؟!
النّبوة أو الرسالة مسئولية عظمي، وتكليف ثقيل، يقترن عادة بتخصيص النّبي أو الرّسول بخصائص متميزة، وإمداد بنعم إلهية سامية، لأن ما يتعرّض له النّبي الرّسول من صدود قومه عن دعوته، وإعراضهم عن قبول رسالته يحتاج لصبر ومصابرة، وجهاد ومقاومة، لا يتحملها الإنسان العادي. وقد تشابهت ظروف الرسل في أثناء تبليغ دعوة الله إلى توحيده وعبادته وتنفيذ شرعه، ولكن رحمة الله ورعايته تحمي الرسول. وتتطلب الرسالة أيضا الحزم والعزم في أداء التكاليف، والتّفاني في القيام بها، والتزام الدعوة إلى توحيد الله الحي الباقي الخالد، الذي لا يفنى، ويتفرد بالحكم والقضاء، والمرجع والحساب يوم القيامة، ويفنى غيره ثم يعيده الله للمساءلة، قال الله تعالى مبيّنا أمورا تتعلق بنبوة نبيّنا:
إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ مَنْ جاءَ بِالْهُدى وَمَنْ هُوَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (85) وَما كُنْتَ تَرْجُوا أَنْ يُلْقى إِلَيْكَ الْكِتابُ إِلاَّ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ ظَهِيراً لِلْكافِرِينَ (86) وَلا يَصُدُّنَّكَ عَنْ آياتِ اللَّهِ بَعْدَ إِذْ أُنْزِلَتْ إِلَيْكَ وَادْعُ إِلى رَبِّكَ وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (87) وَلا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (88)