هذا إخبار من الله تعالى لنبيّه محمد صلّى الله عليه وسلّم بقانونه العام، يراد به حضّ الناس على إحسان العمل وإتقانه، والتحذير من سوء العمل وإفساده، ولوم قارون ونظرائه الذين آثروا الدنيا على الآخرة، فإن الآخرة ليست في حسابات قارون، إنما هي لمن اتّصف بصفات معينة.
والمعنى: إن تلك الدار الخالدة العظيمة، ونعيمها الأبدي المذلّل، دون عناء ولا مشقة، يجعلها الله سبحانه وتعالى للذين لا يستعلون على الناس، ولا يتجبّرون عليهم، ولا يريدون أي لون من ألوان الفساد، والفساد يعمّ جميع وجوه الشّر، ومنها أخذ المال بغير حقّ، والعاقبة الحسنة: هي لأهل التقوى الملتزمين بأوامر الله، المبتعدين عن نواهيه ومحظوراته.
يدلّ ذلك على أن التواضع لله والناس أمر محمود، وأن العلو مذموم، وأن فعل الصلاح خير، وأن الفساد والإفساد شرّ ودمار.
وقانون الجزاء الإلهي على الأعمال واضح وقاطع، إما في الدنيا وإما في الآخرة، فمن جاء بالفعلة الحسنة، فله خير منها ذاتا وقدرا وصفة، ومن عمل صالحا فله خير من القدر الذي ينتظره موازيا لفعله، لأن فضل الله كبير، يضاعف الحسنات، وينمّي الخيرات، ويعطي الثواب الجزيل غير المتوقع بحسب أحوال الدنيا.
ومن جاء بالخصلة السيئة أو الفعلة الشنيعة، المنكرة عقلا وشرعا وعادة، فلا يجزى أصحاب الأعمال السيئة إلا مثلها قدرا، دون زيادة أو ظلم، فضلا من الله ورحمة، ومحبة وعدلا، وإبانة لجود الله وسخائه، وسعة خزائنه. وهذا دليل على أن فعل السوء وباء وظلام، وتدمير وضلال، وأن السيئة لا يضاعف جزاؤها، فضلا من الإله الغني، ورحمة من الرّحيم الرّحمن.
هذا القانون الإلهي بمضاعفة الحسنات، ومقابلة السيئات بمثلها دون زيادة،