إِنَّما أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَها وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (91) وَأَنْ أَتْلُوَا الْقُرْآنَ فَمَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَقُلْ إِنَّما أَنَا مِنَ الْمُنْذِرِينَ (92) وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آياتِهِ فَتَعْرِفُونَها وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (93)
[النّمل: 27/ 91- 93] .
حصر الله تعالى مهمة رسوله محمد صلّى الله عليه وسلّم، في مجال علاقته مع قومه بأمور أربعة:
الأول منها- قل أيها النّبي لقومك: إنما أمرت فقط أن أعبد ربّ مكة التي حرمها على الناس، فجعلها شرعا بلدا آمنا حرما، لا يسفك فيها دم، ولا يظلم فيها أحد، ولا ينفّر صيدها، ولا يعضد شجرها، ولا يهدّد الخائف فيها، وقد أضيف فيها التحريم إلى الله تعالى، من حيث كون ذلك بقضائه وسابق علمه. وفي قوله حَرَّمَها تعديد للنعمة على قريش، في رفع الله تعالى عن بلدهم الغارات والفتن الشائعة في جميع بلاد العرب في ذلك الزمان.
وبيد الله تعالى الأمر والتدبير لكل شيء، لذا قال: وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ معناه بالملك والعبودية، فالله سبحانه مالك الملك، والمخلوقات كلها عبيد لله، فله تعالى كل شيء في الكون خلقا وملكا وتصرّفا، لا يشاركه في ملكه شريك.
الأمر الثاني- وأمرني ربّي أن أكون من المسلمين، أي الموحّدين المخلصين، المنقادين لأمره، المطيعين له، لأن كل الخلق خاضع لله تعالى طوعا أو كرها، كما جاء في آية أخرى: أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ (83) [آل عمران: 3/ 83] .
الأمر الثالث- وأمرني ربّي أن أتلو القرآن بجميع ما فيه على الناس، وأن أتلوه وحدي ليلا نهارا، لاستبانة أسراره، والتّعرف على أدلة وجود الله وتوحيده في الكون، فيزداد إيماني، وتشرق نفسي.