بالنعم ورحمته السابغة، بالتوفيق للتوبة الماحية للذنوب، ما طهّر أحدا من ذنبه، ولا خلّصه من أمراض الشرك والفجور، والأخلاق المزدولة، وإنما عاجله بالعقوبة، كما قال الله تعالى: وَلَوْ يُؤاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ ما تَرَكَ عَلَيْها مِنْ دَابَّةٍ [النحل: 16/ 61] .
ومن فضل الله تعالى أنه يطهر من يشاء من ذنبه بقبول توبته، وتوفيقه إلى ما يرضي ربه، ومن ذلك قبول توبة حسان ومسطح وغيرهما من أهل الإفك، والله سميع لأقوال عباده، عليم بمن يستحق الهدى والضلال، وبجميع الأقوال والأفعال، وهذا حث على التوبة المخلصة من كل الذنوب.
وآية وَلا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ نزلت في أبي بكر حيث حلف على ألا ينفق على قريبه ابن خالته الفقير مسطح، وقد كان يتيما في حجره، وكان ينفق عليه وعلى أقاربه.
والمعنى: لا يحلف أصحاب الفضل في الدين والخلق والإحسان، وأصحاب السعة في المال والثراء: ألا يعطوا أقاربهم المساكين المهاجرين، كمسطح ابن خالة أبي بكر الذي كان فقيرا مهاجرا من مكة إلى المدينة، وشهد بدرا، وهذا حث على صلة الرحم، وتلك الصلة عمل إنساني كريم مبارك.
وليعف الأغنياء والأقوياء عن المسيء، وليصفحوا عن خطأ المذنب، فلا يعاقبونه ولا يحرمونه من عطائهم، فإن من أخطأ مرة لا يشدد عليه في العقاب.
ألا تريدون أن يغفر الله لكم، أي يستر عليكم ذنوبكم، فإن الجزاء من جنس العمل، فكما يغفر الإنسان ذنب المذنب يغفر الله له، وكما يصفح المرء عن المسيء يصفح الله عنه، والله تام الرحمة، وواسع المغفرة لذنوب عباده الطائعين التائبين، رحيم بهم، فلا يعذبهم بزلة حدثت، ثم تابوا عنها. وهذا ترغيب في العفو والصفح، ووعد كريم بمغفرة ذنوب التائبين، لذا بادر أبو بكر الصديق إلى القول: «بلى والله، إنا نحب أن تغفر لنا يا ربنا» ثم أعاد إلى مسطح النفقة التي كان ينفقها عليه، وقال:
«والله لا أنزعها منه أبدا» .