ثم حذّر الله تعالى من نقض العهد بأخذ الأعواض المالية التافهة مقابل ذلك، فقال سبحانه: وَلا تَشْتَرُوا بِعَهْدِ اللَّهِ ثَمَناً قَلِيلًا أي لا تعتاضوا عن الأيمان المحلوفة بالله عرض الدنيا وزينتها، فإنها قليلة مؤقتة، وما عند الله من الفضل والثواب العظيم خير لمن رجاه وآمن به، وخير من عرض الدنيا الحقير، وذلك إن كنتم أيها المخاطبون، تعلمون مدى التفاوت العظيم بين خيرات الدنيا وخيرات الآخرة. قال ابن عطية عن هذه الآية: هذه آية نهي عن الرّشا وأخذ الأموال على فعل ما يجب على الآخذ تركه، أو ترك ما يجب عليه فعله، فإن هذه هي التي عهد الله إلى عباده فيها.
ووجه الخيرية واضح، فإن ما عندكم من متاع ونعيم دنيوي عرضة للنفاد والزوال، وإن طال الأمد، وما عند الله من ثواب ونعيم في الجنة ومواهب الآخرة باق خالد، لا انقطاع له ولا نفاد، وإنما هو دائم لا يحول ولا يزول، أي إن الدنيا فانية، والآخرة باقية دائمة.
والله بفضله وعدله يجزي بالخير والثواب الطيب الذين صبروا على أذى المشركين، وأعداء العقيدة، وعلى القيام بواجبات الإسلام وأحكام الشريعة، التي توجب الوفاء بالعهد وتنفيذ العقد، وكذلك بالصبر عن الشهوات، وعلى مكاره الطاعة، يجازيهم الله بأحسن أعمالهم، والتجاوز عن سيئاتهم، وهذا هو الثواب العظيم، وهو الوعد الحسن بغفران الذنوب، ومحو الخطايا، وهذه الآية إشارة إلى الصبر عن شهوة كسب المال بالوجوه المنكرة أو المحرمة، من الرّشاوى، وأخذ الأموال على ترك الواجبات، وفعل القبائح والمحظورات، فإن كل عاقل ينفر من الحرام، ولا يتقبل العفيف الشريف تلويث مكاسبه بالمحرمات والشبهات.