وتكرّرت كلمة رَبَّنا في هذه الآيات أربع مرات لتعظيم الله وتقديسه. وكان هذا الدعاء الشامل تشريعا وتعليما، وتذكيرا من الله تعالى للمؤمنين والمشركين في مكة وغيرها بمكانة مكة والبيت الحرام فيها، وبوجوب تطهيرها من الأصنام والأوثان، وقيام ذرّية إبراهيم فيها بإقام الصلاة، والالتفات إلى تهيئة الأرزاق والثمرات فيها للانصراف للعبادة وشكر النعمة الإلهية، والله عليم بأحوال عباده كلها، السّري منها والعلني، وكانت الخاتمة طلب إجابة الدعاء، والمغفرة الشاملة لأهل الإيمان. أول صيغة هذا الدعاء: طلب إبراهيم عليه السّلام جعل مكة بلدا ذا أمان واطمئنان واستقرار لتصفو للعبادة، وكيلا يسفك فيه دم، ولا يظلم فيه أحد.

وقد أجاب الله الدعاء، فكانت مكة بلدا آمنا على الدوام للإنسان والطير، والنبات والشجر.

والطلب الثاني في هذا الدعاء: جعل العبادة خالصة لله تعالى على منهج التوحيد، واجتناب عبادة الأصنام، والأصنام هي المنحوتة على خلقة البشر، وما كان منحوتا على غير خلقة، فهي أوثان. وكانت هذه الأصنام سببا للضلال، وعرضة للإضلال والغي، وسوء الأعمال وانحدار مستوى الكرامة الإنسانية. فمن صدّق إبراهيم عليه السّلام في دينه واعتقاده وسار على منهجه في الإيمان بالله والتوحيد الخالص لله، فإنه على سنّة إبراهيم وطريقته. ومن خالفه وعصاه فهو ليس على ملّة إبراهيم، وأمره إلى الله الغفور الرحيم، وهذه شفاعة في العصاة غير الكفار.

وفي الطلب الثالث: إعلام من إبراهيم عليه السّلام أنه أسكن بعض ذرّيته عند البيت الحرام، في واد غير ذي زرع، لإقامة الصلاة، وجعله محرّما ليتمكّن أهله من العبادة، فاجعل يا ربّ بعض القلوب تحنّ إليه، وتهفو وتميل إلى رؤيته، وأمدّهم برزق الثمار الموجودة في سائر الأقطار، حتى لا يلتفتوا إلى شيء منها، ويكون ذلك

طور بواسطة نورين ميديا © 2015