يلجأ الإنسان عادة للدعاء إما لدفع ضرر أو لجلب نفع، وهذا دليل على حاجة الإنسان لربّه، وإقرار بعبوديته له، واعتراف بربوبية الله وتوحيده، وإشعار بعظمة الله وقدرته، وتوجّه من الضعيف العاجز إلى صاحب السلطان المطلق والهيمنة التامة على المخلوقات. لكن قد يكون الدعاء تشريعا كدعاء إبراهيم عليه السّلام وهو مستقبل البيت الحرام، الذي كان فيه دلالة على مكانة البلد الحرام مكة، وسوء عبادة الأصنام، وإبانة لحقيقة الاعتقاد، وشكر على نعم الله، وطلب المغفرة منه لنفسه ووالديه والمؤمنين. وهذا إظهار للإخلاص، ومحبة أهل الإيمان، وتعظيم أماكن الشعائر الدينية. قال الله تعالى مدوّنا على الدوام شمول هذا الدعاء:
وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ (35) رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (36) رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَراتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ (37) رَبَّنا إِنَّكَ تَعْلَمُ ما نُخْفِي وَما نُعْلِنُ وَما يَخْفى عَلَى اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ (38) الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعاءِ (39)
رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنا وَتَقَبَّلْ دُعاءِ (40) رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسابُ (41)
«1» «2» [إبراهيم: 14/ 35- 41] .
تكرّرت كلمة رَبِّ في هذا الدعاء لإبراهيم الخليل عليه السّلام ثلاث مرات، للدلالة على الصّلة الخاصة بالله والعجز والضعف أمام الله، وشدّة الحاجة إليه.