ثم بيّن الله تعالى عظمة القرآن وفضله على سائر الكتب المنزلة قبله، فلو كان هناك في الكتب الماضية كتاب تسيّر بتلاوته الجبال عن أماكنها، أو تقطّع به الأرض وتشقق وتجعل أنهارا وعيونا، أو تكلّم به الموتى في قبورهم لإحيائهم بقراءته، لكان هذا القرآن هو المتّصف بتلك الصفات، دون غيره، بل هو الأولى، لما فيه من الإعجاز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، لاشتماله على الآيات الكونية الدّالة على وجود الله، والشرائع والأحكام المنظمة لعلاقات الناس، والكفيلة بإسعادهم في الدّارين.
وكان هذا الوصف ردّا على مشركي قريش الذين طالبوا بآية تعجيزية مادّية تثبت نبوّة النّبي صلّى الله عليه وسلّم.
روى ابن أبي شيبة وابن المنذر عن الشعبي قال: قالت قريش لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم: إن كنت نبيّا كما تزعم، فباعد جبلي مكة أخشبيها (جبلين فيها) هذين مسيرة أربعة أيام أو خمسة، فإنها ضيقة، حتى نزرع فيها ونرعى، وابعث لنا آباءنا من الموتى، حتى يكلمونا ويخبرونا أنك نبي، أو احملنا إلى الشام أو اليمن أو إلى الحيرة، حتى نذهب ونجي، في ليلة، كما زعمت أنك فعلته، فنزلت هذه الآية.
ردّ الله عليهم بقوله: بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعاً أي بل مرجع الأمور كلها إلى الله عزّ وجلّ، ما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن، فهو صاحب الأمر والإرادة في إنزال الآيات المادّية وغيرها، وهو القادر على كل شيء.
أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ لَوْ يَشاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعاً أي ألم يعلم (أي أن ييأس في لغة هذيل بمعنى يعلم) المؤمنون أن الله قادر لو شاء على هداية الناس جمعيا إلى الإيمان بالقرآن، أو أن ييأس بمعناها المعروف من اليأس، والمعنى: أفلم ييأس المؤمنون من إيمان هؤلاء الكفرة، مع العلم بأن الله لو شاء لهدى الناس جميعا.
ثم أخبر الله تعالى عن كفار قريش والعرب أنهم لا يزالون تصيبهم قوارع من