والأمر الثاني هو الصبر، ومعنى الآية: والزم الصبر على الطاعة ومشاقّها، وعن المعصية ومغرياتها، وابتعد عن المنكر والمحرّمات، وفي حال الشدائد والمصائب، فإن الله لا يهدر ثواب المحسنين أعمالا، الصابرين على مراد الله وقدره. وهذا دليل على أن الصبر إحسان وفضيلة.
والصبر مطلوب في الصلاة وسائر الطاعات، لقوله تعالى: وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْها [طه: 20/ 132] .
وقال النبي صلّى الله عليه وسلّم فيما رواه أبو نعيم والبيهقي من حديث ضعيف: «الصبر نصف الإيمان، واليقين: الإيمان كله» .
وجاءت هذه الآيات في أواخر سورة هود في نمط واحد، أعلم الله نبيه أنه يوفي جميع الخلائق أعمالهم، المسيء والمحسن، ثم أمره بالاستقامة والمؤمنين معه، ثم أمره بإقامة الصلوات ووعد على ذلك، ثم أمره بالصبر على التبليغ والمكاره في ذات الله تبارك وتعالى، ثم وعد بقوله: فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ.
لا ظلم ولا جور في حكم الله تعالى على الإطلاق، وإنما العدل الذي تطوقه الرحمة أساس القضاء في شرع الله، وذلك لأن الله غني عن العالمين، ولا مصلحة له مع أحد، وهو ربّ العباد جميعا، ولا يخشى أحدا من الخلائق حتى يحابيه على حساب غيره، ولا حاجة له لبشر أبدا حتى يتقرب إليه في حكمه، وإنما خير القضاء وعدل الحكم يرجع إلى العباد أنفسهم. وقد ذكر الله سبحانه سبب إيقاع عذاب الاستئصال وهلاك الأمم السابقة، وهو أمران:
الأول- أنه لم يكن فيهم قوم ينهون عن الفساد في الأرض.
والثاني- أن الظالمين اتّبعوا طلب الشهوات واللذات، واشتغلوا بتحصيل