التوحيد والعدل والنبوة والمعاد وإبطال مذاهب المبطلين والملحدين» (?) .
ويقول الإمام القرطبي: (هذه السورة أصل في محاجة المشركين وغيرهم من المبتدعين، ومن كذب بالبعث والنشور، وهذا يقتضى إنزالها جملة واحدة، لأنها في معنى واحد من الحجة وإن تصرف ذلك بوجوه كثيرة، وعليها بنى المتكلمون أصول الدين (?) ..) .
ويقول فضيلة الأستاذ الشيخ محمود شلتوت:
ويجدر بنا أن نلفت النظر إلى أن سورة الأنعام قد عرضت ما عرضت في أسلوبين بارزين لا نكاد نجدهما بتلك الكثرة في غيرها من السور:
أما الأسلوب الأول فهو أسلوب التقرير، فهي تورد الأدلة المتعلقة بتوحيد الله وتفرده بالملك والتصرف، والقدرة والقهر، في صورة الشأن المسلم الذي لا يقبل الإنكار أو الجدل، وتضع لذلك ضمائر الغائب عن الحس الحاضر في القلب، وتجرى عليه أفعاله وآثار قدرته ونعمته البارزة للعيان، والتي لا يمارى قلب سليم في أنه مصدرها ومفيضها وصاحب الشأن فيها:
هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضى أَجَلًا، وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ.
وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّماواتِ وَفِي الْأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ ما تَكْسِبُونَ.
وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ.
وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ ما جَرَحْتُمْ بِالنَّهارِ.
وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ.. ألخ هذا هو أحد الأسلوبين.
أما الأسلوب الثاني فهو أسلوب تلقين الحجة، والأمر بقذفها في وجه الخصم حتى تأخذ عليه سمعه، وتملك عليه قلبه، وتحيط به من جميع جوانبه فلا يستطيع التفلت منها، ولا يجد بدا من الاستسلام لها.
ففي حجج التوحيد والقدرة يقول: قُلْ لِمَنْ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قُلْ لِلَّهِ، كَتَبَ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ.
قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلا يُطْعَمُ؟ قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ.