وفي هذه الأوصاف التي أجريت على الله تعالى، من كونه ربا للعالمين وملكا للأمر كله يوم الجزاء، بعد الدلالة على اختصاص الحمد به في قوله: الْحَمْدُ لِلَّهِ في كل ذلك دليل على أن من كانت هذه صفاته لم يكن أحد أحق منه للحمد والثناء عليه، بل لا يستحق ذلك على الحقيقة سواه، فإن ترتب الحكم على الوصف مشعر بعليته له» (?) .
والمتدبر لهذه الآية الكريمة يراها خير وسيلة لتربية الإنسان وغرس الإيمان العميق في قلبه، لأنه إذا آمن بأن هناك يوما يظهر فيه إحسان المحسن وإساءة المسيء، وأن زمام الحكم في ذلك اليوم لله الواحد القهار، فإنه في هذه الحالة سيقوى عنده خلق المراقبة لخالقه، ويجتهد في السير على الطريق المستقيم.
إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ كانت الآيات الثلاث التي تقدمت هذه الآية تقريرا للحقيقة في جانب الربوبية وعظمتها وعموم سلطانها وسعة رحمتها تقريرا جمع أمور الدنيا والآخرة ثم جاءت هذه الآية لتقرر أن الذي يجدر بنا أن نعبده وأن نستعين به إنما هو الله الذي تجلت أوصافه، ووضحت عظمته، وثبتت هيمنته على هذا الكون.
ولفظ «إيا» ضمير منفصل، و «الكاف» الملحقة به للخطاب.
والعبارة تفيد أن الطاعة البالغة حد النهاية في الخضوع والخشوع والتعظيم، والعبادة الصحيحة تتأتى للمسلّم بتحقق أمرين: إخلاصها لله، وموافقتها لما جاء به النبي صلّى الله عليه وسلّم.
قال ابن جرير: «لأن العبودية عند جميع العرب أصلها الذلة، وأنها تسمى الطريق المذلل الذي وطئته الأقدام وذللته السابلة معبدا» (?) .
والاستعانة: طلب المعونة، من أجل الاقتدار على الشيء والتمكن من فعله.
والمعنى: لك يا ربنا وحدك نخشع ونذل ونستكين، فقد توليتنا برعايتك وغمرتنا برحمتك، فنحن نخصك بطلب الإعانة على طاعتك وعلى أمورنا كلها، ولا نتوجه بهذا الطلب إلى أحد سواك، فأنت المستحق للعبادة، وأنت القدير على كل شيء، والعليم ببواطن الأمور وظواهرها، لا تخفى عليك طوية، ولا تتوارى عنك نية.
وقدم- سبحانه- المعبود على العبادة فقال: إِيَّاكَ نَعْبُدُ، لإفادة قصر العبادة عليه، وهو ما يقتضيه التوحيد الخالص.