وقرأ الباقون «تساءلون» بالتشديد بإدغام تاء التفاعل في السين لتقاربهما في الهمس.
والأرحام: جمع رحم وهي القرابة. مشتقة من الرحمة، لأن ذوى القرابة من شأنهم أن يتراحموا ويعطف بعضهم على بعض.
وكلمة الْأَرْحامَ قرأها الجمهور بالنصب عطفا على اسم الله تعالى.
والمعنى واتقوا الله الذي يسأل بعضكم بعضا به، بأن يقول له على سبيل الاستعطاف:
أسألك بالله أن تفعل كذا، أو أن تترك كذا. واتقوا الأرحام أن تقطعوها فلا تصلوها بالبر والإحسان، فإن قطيعتها وعدم صلتها مما يجب أن يتقى ويبتعد عنه، وإنما الذي يجب أن يفعل هو صلتها وبرها.
وقرأها حمزة بالجر عطفا على الضمير المجرور في (به) . أى: اتقوا الله الذي تساءلون به وبالأرحام بأن يقول بعضكم لبعض مستعطفا أسألك بالله وبالرحم أن تفعل كذا.
وقد كان من عادة العرب أن يقرنوا الأرحام بالله تعالى- في المناشدة والسؤال فيقولون:
اسألك بالله وبالرحم.
ولم يرتض كثير من النحويين هذه القراءة من حمزة، وقالوا: إنها تخالف القواعد النحوية التي تقول: إن عطف الاسم الظاهر على الضمير المجرور المتصل بدون إعادة الجار لا يصح، لأن الضمير المجرور المتصل بمنزلة الحرف، والحرف لا يصح عطف الاسم الظاهر عليه، ولأن الضمير المجرور كبعض الكلمة لشدة اتصاله بها، وكما أنه لا يجوز أن يعطف على بعض الكلمة فكذلك لا يجوز أن يعطف عليه. إلى غير ذلك مما قالوه في تضعيف هذه القراءة. وقد دافع كثير من المفسرين عن هذه القراءة التي قرأها حمزة. وأنكروا على النحويين تشنيعهم عليه.
ومما قاله القرطبي في دفاعه عن صحة هذه القراءة: ومثل هذا الكلام- أى من النحويين- مردود عند أئمة الدين، لأن القراءات التي قرأ بها أئمة القراء ثبتت عن النبي صلى الله عليه وسلم تواترا يعرفه أهل الصنعة، وإذا ثبت شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم فمن رد ذلك فقد رد على النبي صلى الله عليه وسلم واستقبح ما قرأ به.
وهذا مقام محذور، ولا يقلد فيه أئمة اللغة والنحو، فإن العربية تتلقى من النبي صلى الله عليه وسلم ولا يشك أحد في فصاحته.
ثم قال: والكوفي يجيز عطف الظاهر على الضمير المجرور ولا يمنع منه، ومنه قولهم:
فاذهب فما بك والأيام من عجب (?)